إذا عُدّ المعلمون الرواد فإن عبدالله الجلهم واحد منهم، وإذا ما عُدّ الأوفياء لمدينتهم فإنه يأتي من أوائلهم، وإذا ما عُد الأدباء السعوديون الأعلام فإنه يحتسب من بينهم وأقدرهم.
هكذا عرفنا عبدالله الجلهم مؤدَّباً ومؤدِّباً، منذ أن فتَّح جيلي عينيه على الدنيا، ورأى معلميه الذين حملوا مشاعل التنوير في مدينتنا الصغيرة الوادعة «عنيزة»، معلميه الذين فتحوا الكتاتيب الخاصة لتعليم العلوم الحديثة التي لم تكن معروفة في كتاتيب نجد آنذاك.
ثم صارت تلك الكتاتيب نواة المدارس الحكومية عندما بدأت في معظم المدن الرئيسية «1356هـ»، وكان من أمثلة تلك الكتاتيب المدارس الأهلية التي أنشأها عبدالعزيز الدامغ وصالح الناصر الصالح في عنيزة «سنة 1348هـ»، ومدارس أهلية مماثلة أنشأها أحمد الصانع وسليمان الأحمد وعبدالعزيز العتيقي وعثمان الصالح في المجمعة وهكذا..
كان عبدالله الجلهم واحداً من الشباب الذين تربوا على يد رائد تحديث التعليم في عنيزة «صالح الصالح»، ومنهم عبدالرحمن العليان وعبدالله النعيم وعديدون غيرهم، ثم وقفوا إلى جانبه يشاركون في العملية التثقيفية والتربوية ذات الأبعاد الثلاثة «التعليم، الابتدائي والثانوي ومحو الأمية، وإشاعة المناخ الثقافي: فتح المكتبات والنادي الأدبي، والتطوير التنموي لمدينتهم المتمثل في تلبية احتياجاتهم المعيشية والتطويرية كإدخال الكهرباء ومدّ شبكة الماء وتعبيد الطرق وخلافها».
عبدالله الجلهم، رحمه الله، كان له يد في كل هذه الأمور، فقد كان الرائد في فتح أوّل مكتبة لجلب الكتب والصحف والدوريات وتوزيعها «1365هـ»، كما أسهم في كل الأعمال التطويرية والتنموية والثقافية التي شهدتها عنيزة في السبعينيات الهجرية قبل ان ينتقل إلى الرياض.
لكنه ظل وهو في الرياض مصدر التوجيه والإلهام والمتابعة مع كل التنويريين من أبناء مدينته، لا ينقطع عن زيارتها والتعقيب على شؤونها واحتياجاتها، وبث الممارسة في كل من يقوم على مباشرة خدمتها.
أما عبدالله الجلهم «الأديب والشاعر» فإنني أحيل القارئ الكريم إلى ما تضمنه كتاب: شعراء نجد المعاصرون لمؤلفه الأستاذ الكبير عبدالله بن إدريس «الطبعة الأولى 1380هـ والثانية 1423هـ» حيث ترجم لحياته ونشر شيئاً من شعره الذي ربما نشره تحت توقيع «ابن عنيزة» أو توقيع آخر، وبقي الكثير منه مخطوطاً لم ينشر أو يطبع.
ما كان يميز عبدالله الجلهم انه على ثقافته وتفاعله مع هموم أمته ووطنه يبتعد عن الأضواء والظهور، وتصدُّر المجالس والمناسبات، لكنه كان يفتح قلبه للناس، ويشرّع أبواب منزله لزوّاره ومحبّيه وتلاميذه، لقد كان شمعة منزوية في مكتبته، لكنه من نوعٍ يحترق ليضيء الطريق للآخرين.
رحمه الله رحمة واسعة..
|