عقدت الدهشة والحزن «لساني» والصديق الأستاذ عبدالله بن صالح الرشيد يهاتفني مبلغا إياي انتقال الأستاذ الأديب الشاعر المقل عبدالله بن إبراهيم الجلهم إلى رحمة الله إثر حادث مروري مؤلم.!!
ولكن ما أجمله من ختام!
فقد خرج من صلاة الفجر طاهرا نقيا، وفي طريقه إلى بيته مع انبثاق الفجر إذا بسيارة تعاجله لتكون سبباً في رحيله إلى جوار ربه، فيملأ رحيله نفوسنا ونفوس محبيه بالظلام والشجن- رحمه الله.
ولكن عزاءنا أنه مات شهيداً بحول الله، ورحل إلى الدار الآخرة مضيئا مع أضواء الفجر الأولى.
لقد عاش الأستاذ عبدالله الجلهم حياة عطاء حافلة، وإن كانت صامتة.. فقد عمل مربيا في ميدان التعليم، معلما ومديرا لمعهد عنيزة العلمي، ثم انتقل إلى الرياض ليواصل عطاءه في خدمة بلده وأبناء بلده في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية حتى أصبح وكيلا للوزارة وذلك لأحد أهم قطاعاتها، وأحفلها إنسانية ألا وهو «قطاع المعاقين» حتى تقاعد من العمل وهو يسهم في خدمة هذه الفئات الغالية، وقبل انتشار الخدمات المقدمة لهم، وقد كان مع زميله الأستاذ محمد بن حمد المالك وكيل وزارة العمل للرعاية الاجتماعية وقتها من المؤسسين لهذا العمل الانساني في المملكة، رحمه الله، وجزاه أحسن الجزاء، لما قدمه لإخوتنا المعاقين الذين قدر الله عليهم الاعاقة.!
كان «أبو أديب» وهي كنيته التي اشتهر بها:
أديبا في سلوكه وشيمه.
أديبا في حديثه وحواره.
أديبا في حرفه وشعره.
وقد كان من أوائل الأدباء والشعراء في المنطقة الوسطى.. لكن استغراقه في عمله التعليمي أولا، والانساني ثانيا، ونأيه عن الظهور، جعلاه مقلا في النشر شعراً ونثرا.!
إنه أحد أوائل الشعراء الذين ترجم ودرس وقدم نماذج من شعرهم الأستاذ الشيخ الأديب عبدالله بن إدريس في كتابه الرائد «شعراء نجد المعاصرون».!
وقد وصف الأديب ابن ادريس الشاعر عبدالله الجلهم مشيراً إلى بعده عن الأضواء منذ بداياته بقوله:
«إنه شاعر يحب الانطواء حتى إنه في حال نشره قصائده لا يذيلها باسمه بل كثيراً ما يوقعها تحت «ابن عنيزة» أو يرمز لها بذلك حرصا على الاختفاء- رحمه الله.
ثم قدم له عدداً من قصائده الجميلة المؤثرة.
وأختم هذه المقالة بأبيات من هذه القصيدة للراحل الغالي:
صغتُ من فيلق المشاعر جَرسى
لأبث الحزين من فيض حسي
أستدر الزمان ومضة نور
وأخط الشعور في كل طرس
ثم آتي وقد بلوت حياتي
وكشفت القناع عن يوم نحس
كلما لفني الدجى برداه
قلت يا ليل: هل بصحْبك أُنسي
أنا في لجة الحياة أسير
بين شِكسٍ من الخلال وشُرس
هاله أن يعيش عيشة رغد
فرمى عزه الثمين ببخس
طمستْ ظلمة الشتاء ضياء
لامع النور بين يوم وأمس
|
أسأل الله أن يتغمد الفقيد بفيض رحمته، وأن يجعل مآله جنة المأوى جزاء ما قدم لدينه ووطنه وأبناء وطنه.
|