كما أن للكاتب أسلوباً من ذاته فله كذلك قاموس مفردات بذاتها، وتتراكم هذه المفردات بمضي الزمن واحتراف الكتابة حيث يبدأ الكاتب يحب مفردة ويكره أخرى، والتحليل البسيط «المفردة» أي كاتب كفيل بتوضيح ما أعنيه هنا، ومضامين هذا القول تنطبق على «شدو» فهي مثل بقية زميلاتها من الزوايا الكتابية قد وصلت بفعل تواتر السنين الى مشارف التشبع «المفرداتي» ان صح التعبير، ودليل ذلك أن شدو تمتلك الآن قاموسين: قاموس لما تحب من مفردات وآخر لما تكره منها، وفي هذه المقالة وعلى العكس مما هو معتاد تستعرض شدو قاموس بعض مفرداتها سيئة السمعة «نفسيا»، من ضمنها تمثيلا لا حصرا كلمة «نقل» بكافة اشتقاقاتها اللغوية، فهذه الكلمة - رغم الضآلة الهجائية - حبلى بكل ما هو غث وسمين، فوظيفيا هناك النقل التأديبي وتعليميا لا يخفاكم «حيص بيص» تنقلات المدرسين والمدرسات، أما مروريا فيكفينا من كلمة نقل شاحنات النقل وحوادثها المميتة في شوارعنا، بل يكفي كلمة «نقل» سوء سمعة تطبيقاتها العسكرية حيث ان مجرد كلمة نقل قوات تعني المزيد من القتل والوحشية في عالم مليء أصلا بالوحشية القاتلة، ولا تهون بالطبع كلمة فترة (انتقالية) بكل آفات الاستعمار السابق واللاحق، وحتى رياضيا فلهذه الكلمة أبعاد سيئة حيث ان مجرد «انتقال» الكرة من ملعب الهلال الى ملعب خصمه غير اللدود قط وابدا لا يعني للأخير سوى الهزيمة النكراء، اما طبيا فبالطبع يكفينا من كلمة نقل عمليات «نقل» الأعضاء الفاشلة التي غالبا ما يكون ختامها «الانتقال» الى رحمة الله.
وتفتح شدو الصفحة الثانية من قاموس كلماتها المكروهة لتطل علينا كلمة «تصفية» بكل عبوس، ومعها الحق في ذلك فتصفية الأجواء العربية لم يزدها عبر الزمن الا غبارا وشوائب، بل أينك من «تصفية الحسابات» التي هي في حقيقتها أبعد ما تكون عن التصفية بمعناها النقي وأقرب ما تكون الى التلويث واللوث، وحتى في ميدان الشعر لا تفتأ كلمة «تصفية» تطل علينا بتبجح لا يفسره سوى ما يتعلل به العقل العربي الزائغ المشحون بكافة أنواع غرائز التعلل والتبجح، فرغم تقريرية استفهام (ومن ذا الذي «يا شدو» تصفوا مشاربه..؟) فأينهم العرب من جفاف واجحاف عقلية:
ونشرب ان وردنا الماء صفوا
ويشرب غيرنا كدرا وطينا
|
عفوا هل تريد المزيد من عوامل كراهية شدو لمثل كلمة «تصفية؟» .. حسنا لديك من الحيز الزماني ما ليس بحوزتها مكانيا «فلا تروح بعيد»! .. يكفيك فقط ان تستعرض كميات الكذب المصفى في اوكازيونات تصفيات البيع والشراء الكاذبة التي لا تبرح تموج في الأسواق وتروج في الآفاق.. اما العزاء فلتصفية الحسابات - على مختلف أنواعها - حساب «آت»..
|