هناك كثير من اللوم الذي يوجه إلى المغتربين العرب والمسلمين في الولايات المتحدة وسواها من دول المهجر الفاعلة على الخريطة السياسية الدولية.
وهذا اللوم يصمهم بالسلبية والقصور وعدم قدرتهم على اختراق الهياكل السياسية هناك ومواطن القرار الخارجي بشكل مؤثر، ذلك القرار الذي يسهم بدور كبير في تشكيل الخريطة السياسية في العالم العربي.
هذا اللوم يرفق عادة بمقارنة بين المغتربين العرب والمهاجرين اليهود الذين استطاعوا ان ينغرسوا هناك ويتجذروا في جميع المرافق الاجتماعية ويكونوا لهم بؤراً وتكتلات قوة تدعم محاور للقرار بينما في الغالب يكون العربي هناك منشغلاً بلقمة العيش بشكل كادح وصعب وبطريقة تستنفد جميع نشاطه.
وقد يكون من الصعب ان نرضى بهذا التفسير الأولي والمسطح لابتعاد العرب عن مصادر القرار وأنشطة الحياة السياسية نظرا لتدخل العديد من الأسباب في ذلك.
قد يكون من أهم هذه الأسباب هو طبيعة التركيبة الاجتماعية والسيكولوجية لليهود مقارنة بالعرب فاليهودي هو وليد إرث عميق من الشتات والتيه انغرست تفاصيل هذا الترحال الطويل في أعماقه فبات قادراً على التأقلم والتشكل مع محيطه بصورة حربائية سريعة لأن قضية التأقلم بالنسبة له هي قضية حياة أو موت، وفي هذا القرن مثلا عندما هاجر ملايين اليهود من الدول الشيوعية إلى أوروبا ألغوا هويتهم الصلبة وتسموا بأسماء أوروبية بل إن بعضهم تعمد في الكنيسة بغرض الاندغام الكامل في المجتمع، فعملية الذوبان الكلي في المجتمعات الأوروبية جعلت المجتمعات ترحب بهم وتفسح لهم مجالاً بينها بل تبنت قضاياهم كقضايا إنسانية ونلاحظ ان الهولوكوست تتكرر بالإعلام الغربي بشكل دائم وممل.
من ناحية أخرى نجد العربي حينما يهاجر إلى هناك فإنه يحمل في أعماقه شجرة العائلة غضة رطبة يسقيها بدموع الشوق والذكريات، فقضية الانتماء العائلي أو القبلي بالنسبة للعربي قضية وجود وكيان يستمد منها استقراره النفسي فهو لاينطلق إلى العالم هكذا كالنيزك التائه الضائع في فضاءات عديدة ولكنه يحمل في حقيبته عاداته وتقاليده واعتزازه وصور منزلهم القديم ان قضية الهوية بالنسبة للعربي هي قضية كبيرة ومعقدة قد تمنعه من الاندغام بصورة كاملة بمحيطه خلافاً لليهودي الذي اعتاد ان تكون حقيبة دراهمه هي وطنه الوحيد والأمثل.
لذا قد يبدو من الصعب توجيه اللوم والتأنيب الدائم لعرب المهجر لتقاعسهم عن الانغمار في تفاصيل الحياة السياسية في بلدان ديمقراطية قد تتيح فرص المشاركة للجميع نوعاً ما (فنستلوجيا) الوطن بداخل المهاجر العربي تبقى جرحاً رطباً حاراً من الصعب ان يندمل.
|