* القاهرة - مكتب الجزيرة - عمر شوقي:
تحتفل دولة اسرائيل هذه الأيام بالذكرى الـ55 لاقامة دولتهم في ظل تشرد اللاجئين الفلسطينيين هنا وهناك وقد ألقتهم يد الظلام الإسرائيلي وطردتهم بعيداً عن منازلهم وأرضهم دون مراعاة لأي معايير إنسانية.
فقد كانوا يعيشون حياتهم بشكل طبيعي، يزرعون أرضهم ويحصدون خيراتها، في يافا وحيفا وعكا والمجدل وكل المدن الأخرى التي احتلتها العصابات الصهيونية عام 1948، وأقامت عليها «دولة إسرائيل».
وتعرض هؤلاء الفلسطينيون لحملة تطهير منظمة مارسها المحتل ضدهم لإخضاعهم، كثيرون صمدوا، وآخرون لم يجدوا طريقاً سوى الرحيل، فالقتل والتشريد والتهجير والطرد، كان سمة تلك الفترة.
المعهد العام للدراسات الاسرائيلية المتطورة وضع في الثاني عشر من شهر مايو الحالي دراسة بعنوان 55 عاما من الغليان والمكابرة وضعها عدد من الاساتذة المتخصصين في الجامعات والمعاهد الاسرائيلية والذين يرفضون الاعتراف بالحركة الصهيونية ويرون أنها أدت الى الاضرار باليهود واساءة علاقاتهم ليس فقط مع الدول العربية المجاورة لها ولكن مع أغلب دول العالم مؤرخة كافة القرارات الدولية التي قامت بها دولة اسرائيل ولم تنفذها فيما يتعلق باسرائيل.
البروفيسور داني أزولاي أستاذ العلوم السياسية بالجامعة العبرية يؤكد في بداية الدراسة ان السياسة الاسرائيلية لم تجعل الفلسطينيين يلتحفون بالعراء وفي خيامهم التي لا تقيهم حراً في الصيف أو برداً في الشتاء بعد الهجرة القسرية فقط ولكن لاحقتهم أيدي الجيش الاسرائيلي في كل المدن وبالتحديد في جنين وغزة ونابلس وطولكرم، وحتى خارج حدود فلسطين ، فكانت مجازر صبرا وشاتيلا وما تلاها من محاولات اقتلاع متتالية، وطمس للهوية بشكل منهجي، ولكن دون جدوى.
فقد آمن الفلسطيني بأن الضربة التي لا تقتله تقويه، فالمجازر التي ارتكبتها العصابات الصهيونية منذ عام 1948 وما قبلها وما بعدها لم تقتل فيها رمز العودة لدى الفلسطينيين، فكثير من اللاجئين، إن لم يكن معظمهم لا يزالون يحتفظون بمفاتيح أراضيهم ومنازلهم التي شردوا منها، وقسائم ملكيتهم لها، ويورثونها أبناءهم، منذ خرجوا أول مرة، فالأمل عندهم دائماً حي بالعودة!!..
على الجانب الآخر تشير البروفيسورة يهوديت بن دافيد أستاذة علم الاجتماع في جامعة تل أبيب الى ان تعنت القادة العسكريين والساسة الاسرائيليين أدى الى بث السواد على آفاق الحل، فرئيس الوزراء آرييل شارون، يشترط لأي تحرك نحو الحل أن يتخلى الفلسطينيون عن حق العودة، وحتى كثير ممن يوصفون بأنهم حمائم اليسار الإسرائيلي، تراهم عندما تتحدث عن حق العودة، يصبحون صقوراً أشد وطأة من أنصار اليمين المتطرف.
فحق العودة للاجئين، هو مصيري للطرفين، وإن أقرته المواثيق والمعاهدات الدولية، فلا يزال الاحتلال يسد أي منفذ للحل، حتى إن كانت الشرعية الدولية قد أقرته وطالبت بتنفيذه.
ويخاف الاحتلال أن يؤدي تطبيق حق العودة إلى أن يفقد شرعيته على هذه الأرض وهي ليست موجودة أصلاً، فهو فرض نفسه في هذه الأرض وفرض عليها الوقائع دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكناً، بل ومنحه الشرعية لفعل ذلك وإقامة دولته، وإحلال أناس من مختلف مناطق العالم مكان أصحاب الأرض الأصليين.
وحينما طالب أصحاب الأرض بحقهم وجدت أطرافاً تصف نفسها بالنزاهة تحاول إماتة القضية بطريقة أو بأخرى، بل وتضغط من أجل تجميد الحلم بالعودة أو حتى إلغائه تماماً.
القرارات الدولية المتعلقة بقضية اللاجئين
من جانبه يشير البروفيسور آفي دانيال أستاذ علوم الوثائق والمكتبات في جامعة بن جوريون في بئر السبع الى ان الإنسانية عرفت واحدة من أكبر المآسي في تاريخها، وهي القضية الفلسطينية عموماً، وقضية اللاجئين الفلسطينيين بصورة خاصة، والتي يصفها بانها وصمة عار على جبين وصدر المجتمع الدولي، الذي لم ينجح في التوصل الى حل لتلك المشكلة.
وتوضح دانيال ان قضية اللاجئين الفلسطينيين شغلت الأوساط السياسية والدبلوماسية في هيئة الأمم المتحدة منذ حرب عام 1948، فعلى إثر نشوء ظاهرة اللاجئين الفلسطينيين، وبناء على مشروع قرار قدمته بريطانيا، إزاء ذلك أصدرت الأمم المتحدة العديد من القرارات، بصدد الموقف من تلك الظاهرة، القضية، فصدر عن الجمعية العمومية للامم المتحدة عشرات القرارات التي تتحدث أو تتناول عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم!، وقد صدر عن مجلس الأمن الدولي أيضاً أكثر من قرار ذي علاقة بقضية اللاجئين الفلسطينيين ومن أبرزها: القرارات 237، 242، وقد أشار الباحث ماليسون الى القرارين 73، 338 كقرارين يتعلقان بطريقة غير مباشرة بقضية اللاجئين الفلسطينيين، حيث ان الأول يدعو لجنة التوفيق الدولية لحل المشكلة الفلسطينية بكافة جوانبها، أما الثاني فيدعو لمفاوضات تحت اشراف ملائم ومناسب لتطبيق قرار 242، بيد ان القرار الأهم بين معظم القرارات سواء الصادرة عن الجمعية العمومية أو مجلس الأمن القرار «رقم 194»، (د-3) بتاريخ، 11 كانون الأول/ديسمبر 1948، يقضي بإعادة اللاجئين والتعويض عليهم، ويعلن في الفقرة (11) منه ما يلي:
ويشير دانيال الى ان الجمعية العامة وقد نظرت في الحالة في فلسطين من جديد يجب ان تقرر وجوب السماح للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم، بان يفعلوا ذلك في أقرب وقت ممكن عملياً، ووجوب دفع تعويضات عن ممتلكات الذين يقررون عدم العودة عن كل فقدان أو ضرر يصيب الممتلكات، ويتعين بمقتضى مبادئ القانون الدولي أو عملا بروح الانصاف على الحكومات أو السلطات المسؤولة التعويض عنه.
وبموجب هذا القرار، يذكر أن الأمم المتحدة، أنشأت إطاراً سياسياً محدداً وآلية لمتابعة تنفيذ هذا القرار، «لجنة التوفيق الدولية» الخاصة بفلسطين، وصدرت إليها أو أوعز لها القيام بتسهيل عودة اللاجئين، وإعادة توطينهم من جديد، وتأهيلهم اقتصادياً واجتماعياً، ودفع التعويضات لهم، وإقامة علاقات وثيقة مع مدير هيئة الأمم المتحدة لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله مع الأجهزة والوكالات المناسبة في الأمم المتحدة.
وقد ضمت في عضويتها مندوبين عن كل من الولايات المتحدة، وفرنسا، وتركيا، وأوكلت إليها مهام الوسيط الدولي- الكونت برنادوت- وسيط الأمم المتحدة في حينه، وأكدت على حل مشكلة اللاجئين، وعقدت هذه اللجنة أول اجتماعاتها في جنيف كانون الثاني عام 1949.
وقررت أن يكون مقرها بعد ذلك بمدينة القدس، ولكن إسرائيل أخلت مهمتها، وأقدمت على اغتيال الكونت برنادوت، ورفيقه وقد قتل على أيدي عناصر يهودية من منظمة الأرجون الصهيونية، كما أشارت الأحداث إلى ذلك.
وكان قرار قبول عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة مشروطاً بتنفيذها تلك القرارات غير أن الدولة العبرية ظلت تدير الظهر لكل قرارات الشرعية الدولية، ورفضت بتشجيع ودعم لا محدود من دول الغرب الاستعماري الانصياع للقوانين الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وكنتيجة لانحياز وعجز الأمم المتحدة عن تنفيذ قراراتها وإلزام إسرائيل بذلك، وخاصة القرار رقم(194) (قرار حق العودة والتعويض) أنشأت وكالة الغوث الدولية «الاونروا»، للاجئين الفلسطينيين عام 1949.
ويؤكد دانيال ان قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على حق اللاجئين في العودة تتتابع وكان أبرزها بعد القرار رقم (194)، قرار مجلس الأمن رقم 237 المؤرخ في عام 1967، الذي أكدته الجمعية العامة في قرارها رقم 2252 الصادر في عام 1967 أيضا وتضمن ما يلي:
«إن حقوق الإنسان غير القابلة للتصرف واجبة الاحترام حتى أثناء تقلبات الحرب»، ويدعو حكومة إسرائيل إلى تسهيل عودة السكان الذين فروا من هذه المناطق منذ بدء الأعمال العدوانية».
ودعا القرار رقم 242 المؤرخ في 22 من شهر نوفمبر عام 1967، إلى تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين ويعد القرار «194» الأساس في الموقف الأمريكي من قضية اللاجئين، وفي قمة كامب ديفيد، حيث جرت مفاوضات بشأن قضايا الحل النهائي، وقد قال مسؤولون فلسطينيون لوكالة رويتر «إن هناك تسوية مقترحة من الولايات المتحدة الأمريكية تشمل الإشارة في نص الاتفاق إلى القرار «194» الذي يقر بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وقراهم الأصلية ومنح التعويضات لغير الراغبين في العودة ولم تقبل إسرائيل هذا القرار أبداً».
وقد تعاملت مع هذا القرار كغيره من القرارات الدولية، وبنت سياستها على أساس التنكر المطلق لمسئوليتها في نشوء المشكلة وعدم اعترافها بحق العودة، وقد طرح الإسرائيليون العديد من المشاريع لحل مشكلة اللاجئين، إلا أن هذا الحل يقوم على تصفية هذه المشكلة، وتدرج الموقف الإسرائيلي من رفضهم حقهم في العودة إلى الطرد الفعلي إلى الحيلولة دون عودة من فروا من ديارهم وقت الحرب، وعدم تمكين من عادوا إلى الوطن من الاستقرار وطردهم من جديد، ويبدو ذلك جلياً في الوقت الراهن.
إن مبدأ الطوعية أو خيار اللاجئين هو حجر الزاوية للحماية الدولية وللباحثين عن سلام عادل ودائم لقضية اللاجئين، ويؤكد القرار 194 على حق اللاجئين في اختيار عودتهم، أو أن يكون هذا الخيار حراً وطوعياً.
وفي عام 1975 حصل تطوران هامان، فقد أصدرت الجمعية العامة انطلاقاً من قرارها رقم 3151 ز(الدورة -28) بتاريخ 14-12-1973 الذي شجبت فيه التحالف الأثيم الظالم بين العنصرية في جنوب أفريقيا وبين الصهيونية، بالإضافة إلى القرار 77 (د-12) الذي اتخذه مجلس رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الأفريقية في دورته العادية الثانية عشرة، التي عقدت في الفترة ما بين 28 تموز إلى آب 1975 والذي جاء فيه: «ان للنظام العنصري العرقي الحاكم في فلسطين المحتلة وللنظامين العنصريين والعرقيين الحاكمين في زيمبابوي وجنوب أفريقيا أصلاً استعمارياً وإمبرياليا مشتركاً وتشكل كياناً واحداً، ولها هيكل وبنية عرقية متماثلة وترتبط ارتباطاً عضوياً في سياستها الرامية إلى إهدار وامتهان كرامة الإنسان وحرمته» (139).
وانطلاقاً من أن «الإعلان السياسي واستراتيجية تدعيم وتوطيد السلام العالمي، والأمن الدولي، وتعزيز التضامن والتعاون بين البلدان غير المنحازة، التي تم اعتمادها في مؤتمر وزراء خارجية دول عدم الانحياز المنعقد في «ليما» في الفترة من 25-30 أغسطس عام 1975 قد أدانا وشجبا الصهيونية بحزم، بوصفها تهديداً وخطراً على السلام العالمي والأمن الدولي، وطالبا دعوة جميع البلدان إلى الوقوف ضد هذه الأيديولوجية العنصرية والإمبريالية. وعليه أصدرت الجمعية العامة قرارها رقم 3379 (الدورة -30) بتاريخ 10 نوفمبر عام 1975، الذي جاء في فقرته الأخيرة بعد عرض الحيثيات آنفة الذكر، الإقرار بأن الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري (140).
أما التطور الثاني فقد تمثل بإصدار الجمعية العامة القرار رقم 3376 (الدورة 30 بتاريخ10 نوفمبر 1975، حيث شكلت بموجبه لجنة تعنى بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه الثابتة، وكلفتها إعداد برنامج تنفيذي يكون غايته تمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المعترف بها في الفقرتين الأولى والثانية من قرار الجمعية العامة رقم (3236) الدورة (29) مع الأخذ بعين الاعتبار عند صياغة توصياتها بغرض التنفيذ جميع السلطات التي قدمها الميثاق للهيئات الرئيسية في الأمم المتحدة، وقد قدمت اللجنة تقريرها الأول إلى مجلس الأمن بواسطة أمينه العام، فبحث التقرير ونوقشت التوصيات في حزيران 1976، ووفق عليها بالأكثرية، بيد أن مشروع القرار سقط بالنقض الأمريكي «الفيتو».
وغني عن الذكر أن فئة النازحين التي تتكون من لاجئين فلسطينيين قدامى طردوا من مخيماتهم، وأصبحوا للمرة الثانية أو الثالثة، وفئة النازحين من الأراضي الفلسطينية والأراضي العربية الأخرى التي احتلت عام 1967، إنما تنطبق عليهم الحقوق التي ورد بحثها في حقوق اللاجئين بالإضافة إلى القرارات التي أكدت حقوق النازحين باعتبار اللاجئين القدامى من الذين شردوا للمرة الثانية أو الثالثة «لاجئين جدداً» تنطبق عليهم هذه القرارات عموماً.
وبعد عقد مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقات أوسلو مع الفلسطينيين وغيرها من المفاوضات التي أدت إلى إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية، وأيضاً توقيع اتفاق سلام مع الأردن، وكان قد سبق ذلك مباحثات كامب ديفيد الأولى، وانسحاب إسرائيل من الأراضي المصرية بعد توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، ومواصلة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي انتهت إلى التعثر والجمود في مباحثات كامب ديفيد وطابا الأخيرة، وكنتيجة إلى الصلف والتعنت الإسرائيلي، ومع هبوب رياح التغيير انتهت الأمور إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية المجيدة الثانية في أواخر أيلول 2000 وتصاعدها إلى ما آلت إليه من تطورات عسكرية خطيرة ومجازر همجية وحشية بربرية تقوم بها إسرائيل ضد الفلسطينيين في مختلف المناطق وحتى يومنا هذا، كما لا يمكن تجاهل تأثير ما شهدته الولايات المتحدة الأمريكية في 11 أيلول الماضي وقيادتها لما أطلقت عليه «الحرب ضد الإرهاب الدولي». كل هذه التطورات وتفاعلاتها وارتباطها قادنا إلى قرار دولي جديد.
فقد حمل الثاني عشر من شهر مارس لعام 2002 في ثناياه بدور تحول على صعيدين: الأول على صعيد الشعب الفلسطيني وتحديداً قاموس القضية الفلسطينية السياسي، والثاني على صعيد الشرعية الدولية وتحديداً قرار مجلس الأمن الدولي رقم «1397» الذي صدر مؤخراً مطلقاً مسمى الدولة الفلسطينية جنبا إلى جنب مع دولة اسرائيل وذلك لأول مرة في تاريخ مداولاته السياسية منذ تأسيسه في العام 1945.
تنحصر أهمية طرح فكرة الدولة التي حلم الشعب الفلسطيني بها وأصر عليها وضحى من أجلها باعتبارها واحدة من منظومة حقوقه الأخرى إلا أنها هذه المرة قد انتقلت من دائرة الاعتراف الجزئي بها إلى دائرة اعتراف أعلى مرجعية سياسية دولية يفترض أنها ممثلة للشرعية الدولية، الأمر الذي أضفى عليها ما تستحقه من شرعية وحصنها في وجه كل الادعاءات الرافضة لها، كونها أصبحت حقيقة لا مندوحه فيها.
ويكتسب القرار رقم 1397 أهمية كبيرة في ظل التطورات السياسية، الإقليمية والدولية لا ينبغي تجاهلها أو التقليل منها، فهو أولاً يعتبر انتصاراً للشعب الفلسطيني وانتفاضته ويعتبر ثانياً تتويجاً وتأكيداً على القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية ويعيد فتح ملفها من جديد وهنا نتساءل، هل يأتي لكي يعيد إليها الحياة، ويقوم بتفعيلها على أرض الواقع؟ أم أنه سيرقد معها آجلاً أو عاجلاً على رف النسيان؟ والأيام القادمة كفيلة بإيجاد رد على هذين السؤالين، ونخص بالذكر تفعيل القرار رقم 194، والقرار 242، والقرار رقم 33، وباقي القرارات الأخرى التي ظلت معلقة منذ صدورها وحتى اللحظة الراهنة - وثالثاً هذه هي المرة الأولى التي يصدر فيها قرار من مجلس الأمن بقيام دولة فلسطينية بعد قرار الأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947.
وصحيح أن الولايات المتحدة دعمت القرار وقد سبق للرئيس بوش أن أعلن عن أهمية قيام الدولة الفلسطينية، لكن أن يصدر القرار عن مجلس الأمن وبإجماع 14 صوتاً من أصل 15 صوتاً، فلا شك أن ذلك يعتبر تطوراً في الموقف الدولي في التعامل مع القضية الفلسطينية يستحق أن يتابع.
وما دام الحديث عن القرارات الدولية باعتبارها المرجعية الأساسية، فإن حق الرعاية لمشروع إقامة الدولة يفترض مشاركة أطراف دولية أخرى فاعلة تمثل الشرعية الدولية، وعدم احتكارها من قبل دولة واحدة.
وفيما يخص العناصر والأسس التي يفترض أن تشكل هذه الدولة، فإن الفلسطينيين على دراية تامة وكافية بالجغرافيات السياسية والاقتصادية والسكانية بكل حذافيرها، والدولة التي يطالبون ويطمحون بها ليست من الخيال ولا المحال، فهي دولة كغيرها من الدول تتمتع بالسيادة على برها وبحرها وهوائها ومائها ومعابرها وحدودها وعاصمتها القدس العربية وهذه هي الأسس والعناصر السياسية والاقتصادية لأية دولة حقيقية.
إلا أن الدولة الفلسطينية لها مقوم ديمغرافي آخر خاص بها ينطلق تحديداً من ايجاد تسوية عادلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، ذلك أن التغاضي أو التهاون في هذه القضية أو عدم الجدية في حلها حلاً عادلاً سيكون من شأنه تقزيم هذه الدولة وجعلها مهتزة الأركان، وقضية عودة اللاجئين أمر قد أصر عليه الشعب الفلسطيني في الوطن والمهجر «الشتات» ولا يختلف عليه اثنان، وهو خط أحمر لا يمكن تجاوزه أو القفز عنه، فلا بد والحال هذه من وضع حد لافرازات النكبة الفلسطينية وتداعياتها واستفحالاتها الأخرى حتى يرتاح، ويرتاح العالم من لعنتها التي انصبت عليه أيضا.
إن الحديث عن إنهاء فوري للاحتلال والانسحاب من الأراضي الفلسطينية ووضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني جراء الاحتلال والاجتياح المتكرر لمدنه وقراه ومخيماته وانتهاك أبسط حقوقه الإنسانية، مضافاً إلى كل ذلك ضمان دولي بعدم تكرار هذه السيناريوهات الاحتلالية بكل مشاهدها الملونة بلون الدم والدمار والخراب، إن الحديث عن هذا وذاك ينبغي أن يكون فصل المقدمة من كتاب الدولة الفلسطينية حتى تكون الفصول التالية مبنية على أسس عقلانية ونوايا طيبة جادة بعيدة كل البعد عن أجواء الإلهاء والمماطلة والخداع وبرغم هذا الحديث المستفيض في كل الاتجاهات عن الدولة الفلسطينية والذي أثاره صدور القرار«1397» إلا أن الفلسطينيين أيضاً واعون لحقيقة ما يجري حولهم من أحداث تخصهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وهم أيضا حذرون ويضعون في حساباتهم أن يكون الخوض الدولي المفاجئ في الدولة الفلسطينية له أهداف وغايات أخرى باطنها غير ظاهرها.
عموماً، سيظل القرار مجرد رؤية، وقرار حيزه ومجاله لا يتعدى أسطراً قليلة، فلا يكفي أن تصدر الولايات المتحدة تصريحات وبيانات رئاسية ووزارية، ولا يكفي أن تصدر القمة الأوروبية بياناً تؤكد فيه دعمها لقيام الدولة الفلسطينية، ولا يكفي أن يصدر العرب بدورهم مبادرة للسلام، ويؤكدون فيها استعدادهم للسلام الشامل والتطبيع مع إسرائيل، إذا لم يكن ذلك مصحوباً بنية وإرادة دولية عربية عازمة على قيام الدولة الفلسطينية وفقاً للقرارات الدولية.
ويبقى السؤال المطروح أخيراً، ما هو الموقف إذا ما رفضت اسرائيل هذا القرار؟
كما سبق ذكره، لقد أصدرت الهيئة الدولية، والتي تشمل قرارات وتوصيات، ومواثيق تتعلق بحقوق الإنسان الدولية، إلى جانب المعاهدات والاتفاقيات الإقليمية وغيرها الكثير، وكلها تعترف وتقر بحقوق اللاجئين الفلسطينيين وتدعو إلى عودتهم إلى ديارهم التي طردوا منها واسترداد ممتلكاتهم التي سلبت بقوة السلاح، وتعترف بإعادة تأهيلهم على نفس تلك الأراضي، ويمكن القول إن جميع اتفاقات السلام الكبرى التي أجريت عبر العقود المنصرمة أقرت بحقوق المهجرين «اللاجئين» وأوصت بالحفاظ على ممتلكات اللاجئين وأراضيهم من أجل ضمان الحل العادل الدائم، لكن رغم وجود هذا الاعتراف الدولي الواسع الذي يقر بحق اللاجئين في العودة، تبقى مسألة الآليات والوسائل المطلوبة لتطبيق هذا النوع من الحقوق بحاجة للعمل الكثير، فالعديد من القوانين الدولية وفي بعض الحالات المحلية والإقليمية منها مثل لجنة الأمم المتحدة لتطبيق المواثيق والأعراف الدولية، محكمة العدل الدولية، المحكمة الدولية لجرائم الحرب والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ربما توظف كلها للضغط من أجل عودة اللاجئين (141).
|