* بيروت - رويترز - من جورج جحا:
يقول كميل نوفل مترجم البيت الأبيض خلال حكم خمسة رؤساء امريكيين انه بعد نهاية عهود قادة عرب كبار من أبرزهم العاهل السعودي الملك فيصل تحول من يسميهم عرب أمريكا إلى«رهائن بائسة». يرى نوفل أن عهد حكم القيم الخلقية الامريكية التقليدية ومنها قيم الحق والعدالة والحرية انتهى عمليا مع الرئيس دوايت أيزنهاور وحلت محل ذلك قيم مختلفة بينها المصلحة الانتخابية والمصالح الاقتصادية ومصالح الجماعات ذات النفوذ. كتاب نوفل حمل عنوانا مركبا هو«كميل نوفل يتذكر.. عرب أمريكا رهائن بائسة من أيزنهاور إلى فورد» وصدر عن دار النهار للنشر في بيروت في 353 صفحة من القطع الكبير.
نوفل لبناني تلقى علومه في الجامعة الامريكية في بيروت ثم في الولايات المتحدة وعمل مدرسا للعربية في معهد وزارة الخارجية الامريكية ثم محررا ومذيعا في «صوت امريكا» ثم طلبته وزارة الخارجية للعمل فيها فور اكتسابه الجنسية الامريكية قبل أن يعمل بالبيت الأبيض ترجمانا في محادثات خمسة رؤساء امريكيين ووزراء خارجيتهم مع الملوك والرؤساء العرب من حرب السويس إلى ما بعد حرب أكتوبر تشرين الأول.
وتحت عنوان «كلمة» كتب نوفل يقول انه يقدم في كتابه «ذكريات مختارة» ووصف الكتاب بأنه «سجل لوقائع من جهة وعبارة عن انطباعات عامة عن الشخصيات الامريكية والعربية التي عرفتها معرفة حضورية حميمة».
واستثنى من كلامه كل ما لا تزال الولايات المتحدة تعتبره سريا لم تسمح بعد بإفشائه.
وتحدث عن «تلقف» البيت الأبيض له في «عداد الوظائف الحساسة التي منها الائتمان على السر» وعن ثقة الرؤساء به وارتياح القادة العرب إلى هذا الامريكي المخلص لامريكا والذي لا يزال يحمل هموم العرب في نفسه فقدروا له محافظته على الموضوعية في نقله المباشر للكلام.
ومن حيث أثر سياسات القادة العرب في نفسه وفي ملف العلاقات الامريكية العربية قال: «لقد تراجعت هذه العلاقات على نحو ظاهر في سياسة خلفائهم الذين يفتقرون إلى مقومات القيادة التاريخية بعد غياب عبد الناصر والملك فيصل والملك محمد الخامس . أضاف يقول: ان هناك «حقيقة مهمة هي أن طبيعة الرؤساء الامريكيين الذين جاءوا بعد جيمي كارتر باتت أكثر تأثرا بالانتخابات الرئاسية من موقع الحرص.. حرص كل رئيس.. على مراعاة المصالح الخارجية لامريكا من زاويته التي تنطلق من موقع حسابي هو سمة من سمات طغيان المصلحة الشخصية على المصالح العليا والمبادىء أحيانا». وتحدث عن بعض الاستنتاجات «الواقعية» التي خرج بها ومنها أن الملك فيصل بن عبد العزيز والعاهل المغربي محمد الخامس «هما أفضل القادة الذين أخلصوا لقضايا بلادهم بعيدا عن المصالح الضيقة والانانيات» وأن لدى صانعي السياسة الامريكية اقتناعا راسخا بأن بقاء اسرائيل أقوى دولة في الشرق الأوسط بل أقوى من الدول العربية مجتمعة انما هو لمصلحة امريكا القومية.
ويضيف: «أمريكا بعد أيزنهاور والى حد ما بعد «جاك» كنيدي اللذين تعاطيا السياسة الخارجية على أساس المبادىء والقيم والمثل العليا الامريكية التقليدية... تمارس على هواها الديمقراطية التي تتغنى بها أمام شعبها وشعوب العالم فتلبسها أي بلد وتخلعها عنه وفق المصالح الانتخابية للرؤساء أو وفق مصالح القوى المالية الاقتصادية التي تدعم هذا الرئيس أو ذاك... أو هذا النائب أو الشيخ».
وقال ان خبرته مع الرؤساء الخمسة الذين عرفهم عن كثب جعلته يعتبر أيزنهاور أكثر الرؤساء جرأة في اتخاذ القرارات التاريخية المحقة بعيدا عن المصالح الانتخابية أو القوى الداعمة لها واستشهد بموقفه من حرب السويس واستقلال الجزائر. وقال: «ثمة من يعتقد أن نهاية رئاسة أيزنهاور تزامنت مع زوال هيمنة العناصر الحضارية التقليدية في المجتمع الامريكي... وقد أصبحت أمريكا تدريجيا بعد أيزنهاور مجتمعا ماديا بحتا». واعتبر أن كنيدي هو ألمع الرؤساء ذكاء وجاذبية أما ليندون جونسون فأكثرهم نشاطا واحتكاكا بالناس فيما ريتشارد نيكسون أكثرهم اطلاعا ودهاء وبعد نظر وان كان هنري كيسنجر قد ادعى لنفسه بعض انجازات هذا الرئيس. غير أن جيرالد فورد هو«أقلهم تمتعا بهذه الصفات اذا ما استثنينا مناقبيته مما يؤكد أن الأخلاق وحدها لا تكفي» في عالم السياسة هذا.وتحت عنوان «أصدقاء واشنطن رهائن بائسة» تحدث نوفل عن الملك فيصل ومحادثاته مع نيكسون «على قضية القدس بشكل خاص وعلى رفض الدول العربية أي تغيير في وضع المدينة المقدسة ووجوب منع مؤامرة تهويدها». ووصف كيف أن الملك فيصل خلال مأدبة أقامها له وليام روجرز وزير الخارجية ذكر جميع الشخصيات التي كانت حاضرة بأن «عليهم أن يبذلوا قصارى جهدهم للحيلولة دون القضاء على العلاقات التي لا تزال قائمة بين الولايات المتحدة والعالم العربي وحذرهم من النتائج التي ستنتهي اليها سياستهم المنحازة إلى مصلحة اسرائيل اذا مضوا قدما وخصوصا بعد أن أتيحت لهم أكثر من فرصة لممارسة ضغط جدي على الدولة الصهيونية لحملها على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وعدم تهويد القدس». وقال نوفل: «ولم يخف الملك فيصل عدم ارتياحه إلى كيسنجر وأصر على استبعاده عن حضور الخلوة التي دامت نحو ساعة «مع نيكسون» وسادتها الصراحة بين الزعيمين... كذلك لم يخف كيسنجر استياءه من مواقف الملك فيصل إزاء الصهيونية، ولا شك في أنه أحس بأن العاهل السعودي اعتبره صهيونيا لا غش فيه، وقد أصاب الملك وترا حساسا جدا عندما حذر الامريكيين من خطر الصهيونية العالمية لا على العرب فحسب بل على أمريكا نفسها». وتحدث عن مواقف الملك فيصل التي أثارت نقمة السواد الأعظم من شعب الولايات المتحدة «الخاضع لوسائل الضغط الصهيوني» وأدت إلى اتهام البعض له زورا بالعداء للسامية. ووصف كيف عاتب الملك نيكسون على السماح بتردي علاقات أمريكا مع البلدان العربية وبالتالي «على تحولها من طريق ثنائية الاتجاه إلى طريق مفتوحة في اتجاه الغرب بحيث أعطى العرب تنازلات كثيرة دون أن يأخذوا شيئا في المقابل».
|