* القاهرة - أ ش أ:
أثارت المتاعب الاقتصادية التي تعاني منها الولايات المتحدة حاليا بوصفها المحرك الرئيسي للنمو العالمي المخاوف من انزلاق الاقتصاد العالمي إلى حالة من الركود في الوقت الذي أكدت فيه مؤسسات اقتصادية أمريكية وأوروبية ضرورة صياغة أليات جديدة لتعزيز مؤشرات النمو للاقتصاد الأمريكي واستمرار قيادته للاقتصاد العالمي.
ويرى المحلل الاقتصادي الأمريكي جيفرى جارتن أن الولايات المتحدة تواجه حاليا ثالث أصعب التحديات الاقتصادية منذ الحرب العالمية الثانية حيث ألقت التداعيات السلبية التي يواجهها اقتصادها بتبعاتها على الاقتصاد العالمي، فالاقتصاد الأمريكي يعتبر أكبر اقتصاد في العالم باجمالي ناتج محلي اجمالي يبلغ عشرة تريليونات دولار 30 في المائة من الناتج المحلي الاجمالي العالمي.
وتسهم الولايات المتحدة بنحو 25 في المائة من اجمالي التجارة العالمية و40 في المائة من اجمالي عمليات التداول في البورصات العالمية ، اضافة إلى أن 250 شركة أمريكية تتصدر قائمة أكبر 500 شركة عالمية.
وقال جارتن ان ادارة الرئيس بوش ينبغي عليها صياغة أليات فعالة للتغلب على المتاعب الاقتصادية الحالية في الولايات المتحدة وضمان قيادة واشنطن للاقتصاد العالمي وأشار إلى أن وزير الخزانة الأمريكي جون سنو قلل من تأثير تداعيات التراجع المستمر في قيمة الدولار في الوقت الذي أعربت فيه دول أوروبية وأسيوية عن قلقها من استمرار انخفاض الدولار مقابل العملات الرئيسيةالاخرى .
وأكد المحلل الاقتصادي الأمريكي جيفرى جارتن ان اعتماد ادارة بوش على خفض الضرائب كحل وحيد للمتاعب الاقتصادية الحالية بالولايات المتحدة لن يؤدي إلى تدعيم مؤشرات النمو على المدى الطويل.
وأوضح أن ذلك الاجراء سوف يزيد من العجز في الموازنة وقال ان الولايات المتحدة التي تقود الاقتصاد العالمي باتجاه السوق الحرة والعولمة فرضت تعرفة جمركية عالية على وارداتها من الصلب، كما أنها تدافع عن سياسة المساعدات الخارجية في الوقت الذي تضر باقتصاديات الدول النامية عن طريق المساعدات التي تمنحها للمزارعين الأمريكيين.
وأضاف ان السياسات الاقتصادية الامريكية في الماضي تميزت بالفاعلية والتوازن بين المصلحة الأمريكية والعالمية ولذلك استفاد الاقتصاد العالمي من النمو الأمريكي خلال السنوات الماضية الا أن عددا من السياسات الاقتصادية الحالية تتسم بالتناقض.
وشدد على ان الولايات المتحدة نجحت في احتواء أول تحديات الاقتصادية واجهتها في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية حيث وفرت ملايين الوظائف وساهمت بفاعلية في بناء الاسواق الخارجية والمؤسسات الدولية الحالية كصندوق النقد والبنك الدوليين اضافة إلى دعمها لخطة مارشال لاعادة بناء أوروبا.
ونوه جارتن إلى أن الانجاز في تلك الفترة تحقق بفضل تعاون الادارات الأمريكية مع مؤسسات الاعمال في ذلك الوقت واعداد دراسات استراتيجية تتعلق بتنظيم الشئون المالية تحظى بالاجماع الداخلي بالولايات المتحدة.
وقد واجهت الولايات المتحدةالتحدي الاقتصادي الثاني في الستينيات من القرن الماضي حيث عانى الاقتصاد الأمريكي من العجز في الموازنة لأول مرة وفشل نظام تثبيت سعر الصرف والضغوط الحمائية اضافة إلى المنافسة القوية من جانب الاقتصادين الألماني والياباني.
ونتيجة لذلك شكل الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون في مايو1970 لجنة السياسات الاقتصادية الأمريكية الدولية التي اشتهرت باسم لجنة وليامز والتي رأسها الرئيس التنفيذي لشركة أي بي أم لأنظمة الكمبيوتر وليامز في ذلك الوقت ضمت عددا من روساء الشركات الأمريكية الكبرى وأكاديميين وممثلين عن العمال وأعدت اللجنة تقريرا استقت معلوماته من ممثلي الحكومة والشركات ونقابات العمال وعدد كبير من الخبراء الاقتصاديين.
وتضمن التقرير التوصية بخفض التعريفات الجمركية بين الدول واشراك الدول النامية في مفاوضات تحرير التجارة العالمية وتشجيع الاستثمارات الأمريكية بالخارج وضرورة ايجاد أنظمة مرنة عالمية للصرف.
ويرى جيفرى جارتن ان الولايات المتحدة تحتاج إلى جهود مماثلة للتغلب على التحديات الاقتصادية الثالثة التي تواجهها حاليا والخروج من الركود وتدعيم النمو الاقتصادي العالمي.
وتواجه الاقتصاد الأمريكي مشكلات صعبة في الوقت الراهن حيث انخفض المؤشرالعام إلى أدنى مستوى له منذ 37 عاما الامر الذي أثار المخاوف من انزلاق الاقتصاد الأمريكي إلى الانكماش والذي يؤدي إلى خسائر كبيرة للشركات ويضعف الحافز على الاستثمار ويزيد من حالة التشاؤم السائدة بين رجال الأعمال.
وتمثل مشكلة البطالة أزمة لايستهان بها حيث أعلنت وزارة العمل الأمريكية ارتفاع نسبة البطالة إلى 1 ،6 في المائة وهو أعلى معدل للبطالة منذ تسع سنوات.
وقالت وزارة العمل الأمريكية ان عددالعاطلين زاد في مايو الماضي بنحو 17 ألف شخص ليبلغ تسعة ملايين شخص ويعد قطاع الصناعة الأمريكي أكثر القطاعات تضررا من انخفاض فرص التوظيف حيث تم تسريح 53 ألف شخص من العاملين.
وفقد الاقتصاد الأمريكي حوالى 5 ،2 مليون وظيفة منذ فبراير 2001 منها 342 ألف وظيفة خلال الأشهر الستة الماضية نتيجة انخفاض معدلات الانفاق الاستهلاكي واحجام الشركات عن ضخ المزيد من الاستثمارات بسبب حالة الترقب التي سادت قبل الحرب الأمريكية على العراق، اضافة إلى ظروف الحرب بالخليج التي أثرت أيضا على الاقتصاديات الاوروبية.
ورغم إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش حزمة من الاجراءات لانعاش الاقتصاد الأمريكي الضعيف وسعي الادارة الأمريكية إلى تسويق سياساتها الاقتصادية في أوساط وول ستريت تصاعدت نبرة التشاوم في أوساط العديد من المؤسسات الاقتصادية والمالية بشأن امكانية تجنب الركود الحالي، وفي موشر ذي دلالة على استيعاب الرئيس بوش للأسباب التي أطاحت بوالده في سباق الرئاسة عام 1992 أقدم بوش على اجراء تغييرات في صفوف معاونيه الاقتصاديين في ديسمبر الماضي في محاولة لانعاش الأقتصاد الأمريكي الذي يعاني من الركود وصعود معدل البطالة وتوقف تشجيع الانفاق الاستهلاكي ووفقا للخبير الاقتصادي الامريكي جيمس هاردينح سوف تكون الحالة الاقتصادية المحك الرئيسي لنجاح بوش أو منافسيه في الانتخابات الرئاسية القادمة.
ومن ناحية أخرى تمثل الصناعات العسكرية الأمريكية التي شهدت تطورا هائلا كما وكيفا خلال السنوات القليلة الماضية طوق النجاة للاقتصاد الأمريكي للخروج من شبح الركود واحتواء التداعيات السلبية لتدني قيمة الدولار وارتفاع معدل البطالة وتراجع موشر الثقة في مناخ الأعمال.
ويتعاظم الدور الذي تلعبه الصناعات العسكرية في الاقتصاد الامريكي في ضوء التفوق الواضح لصناعة السلاح الأمريكية عن الاوروبية وتطويع التكنولوجيا المتقدمة لانتاج أجيال جديدة متميزة ومؤثرة من الاسلحة الأمريكية اضافة إلى استمرار الزيادة في الانفاق العسكري في الولايات المتحدة.
|