لا أود أن يفهم من مقالي هذا أنني ضد ظاهرة الخدم في المنازل على الإطلاق، ولا أود أن تنهمر التفسيرات والتعليقات من بابنا المعهود «الذي يرفض كل
جديد وطارىء».
فظاهرة الخدم المنزلي هي ظاهرة صاحبت عدداً من الظروف الاقتصادية التي مرت على المنطقة، ولها جانبها الحسن والاخر السلبي، كأي شيء في العالم يؤتي ثماره بحسب توظيفنا واستعمالنا له، وعلى كل حال يجب أن نسبق الجانب الإنساني في الموضوع، ونعلم أنهم بشر تكالبت عليهم الدنيا والغربة وأنياب الحياة.
المقدمة السابقة تجعلني أتحدث بحرية عن ظاهرة عجيبة أشاهدها يومياً أمام مدارس أطفالي وقت الخروج، حيث يخرج الصغار كشهقة واحدة من البراءة والجمال والنضارة يصخبون كعصافير استوائية مبهجة تحررت من أقفاص الفصول، وتوجهت نحو نعيم المنازل.
ومن يكون بانتظارهم أمام البوابات، من هو حلقة الوصل المؤدية إلى المنزل؟؟ بالطبع السائق وأحيانا السائق والخادمة، أشاهدهم صغارا مفعمين بالبراءة يحتضنون السائق ويقبلونه ويطعمونه بعضاً من الحلوى في جيوبهم، هم أطفال لم يحددوا الأشخاص بعد، فلديهم كل من ينتمي إلى المنزل فهو ينتمي إلى واحة الألفة والأمن.
لذا تجدهم يركبون بجانب السائق وبحضنه وينطلق بهم إلى منازلهم حيث طفولة بريئة، مقابل ليالٍ طويلة من الغربة والحرمان.
تذكر د. هدى قطان وهي طبيبة وإحدى المؤسسات لجمعية مكافحة العنف ضد الأطفال، بأن أهم أشكال العنف الموجه ضد الطفل هو تركه لساعات طويلة مع الخدم دون رقابة!!
أود أن يكون حديثي قاسياً ومقلقاً لكل أم وأب ولا أعتقد بأن مدة نصف ساعة من وقت الأب «الثمين» ستؤثر على مسار عمله عندما يقوم بجلب أطفاله من مدارسهم، وان كان الأمر مستعصياً على الأب، ماذا عن الأم التي تكون مستلقية في فراشها «كفقمة تترجرج» خمولا وكسلا وتترك أطفالها يكتشفون العالم بصورته المرعبة بين يدي الخدم.
ليس هناك كمظلة الوالدين، من المشاهد التي أراها أمام المدرسة منظر الخادمة وبيدها مظلة شمسية فاخرة لابد أنها منحت لها لحماية الطفل من الشمس، فتصبح المظلة لحماية رأسها بينما يترك الطفل يكابد مصيره تحت حرقة شمس صحراوية محرقة، أو مشهد الأطفال يتخاطفون ويركضون بين خطر السيارات المشاهد متعددة ولن استطيع تعدادها لضيق الحيز، ولكن الموضوع بحاجة إلى وقفة حاسمة وسريعة من كل والدين كي يقوموا رسم الحدود بصرامة وقوة وأمان بين أطفالنا والخدم.
|