كل الدول الزراعية تعاني مضرات بعض أجناس الحشرات وتستهدف لخسائر جسيمة من جراء القواضم والديدان وما شاكلها. وتفاقم شر هذه الطوائف الحيوانية الى حد كاد يشبه الكارثة في بعض البلدان النامية. ففي الهند مثلاً تفترس الجرذان اكثر من ثلث محصولات الحبوب كل سنة، علما أن الهند أحوج دول العالم إلى الحبوب وتضطر الى استيراد نصف حاجاتها وتؤدي لها الولايات المتحدة مليار دولار كل سنة لكي يتسنى لها شراء الحبوب.
وفي فولتا العليا بافريقيا السوداء، تأكل الحشرات المختلفة الأجناس 15 بالمئة من محصول الذرة البيضاء وخمسين بالمئة من محصول الفستق.
وأحصى الخبراء الزراعيون خسائر هذه الدولة نتيجة لاضرار الحشرات فانتهوا الى رقم يبعث الذعر في النفس!! فإن الخسائر بلغت سنة 1967 ما يعادل 300 مليون فرنك فرنسي أي ثلث الدخل القومي!
ولذلك شنت حكومة فولتا العليا حرباً حقيقية على الحشرات الزراعية وجندت طائفة من الباحثين وأفردت لهم مخابر كيميائية لامتحان بعض المواد الجديدة المبيدة للحشرات واستقدمت من فرنسا لفيفاً من الخبراء الاختصاصيين لمعاضدتها في هذا الكفاح.
وكان أول ما بادروا إليه حماية مستودعات الحبوب من شر الحشرات ولا سيما بعض أجناس الطفيليات المجهرية.
وانما ينبغي تذليل مشكلة كبرى كلما أقبل المزارعون على مكافحة الحشرات بالمواد الكيميائية، وهي ابادة الحشرات بلا اتلاف الحبوب والمواد الغذائية.
ومهما يكن من المصاعب، فان النتائج الأولى كانت حسنة ولا سيما في مكافحة شر الحشرات في أوان الزرع والبذار. فأصبحت 90 بالمئة من الحبوب المبذورة في الأرض تبلغ مرحلة النمو، ولم يكن يبلغ هذه المرحلة سوى 50 بالمئة منها.
أصبح أسلوب تنظيف البذار في متناول الفلاحين
يبدو على ضوء التجربة ان فولتا العليا قد ربحت الشوط الأول في هذه المعركة مع الحشرات. فانتهت إلى أسلوب بسيط في متناول الفلاحين، لتنظيف البذار من الجراثيم المضرة. ونظمت حملة دعاية واسعة جداً وسخرت الراديو والتلفزيون لنشر المعارف بين الفلاحين واطلاعهم على أساليب ابادة الحشرات. ولم تقتصر على الوسائل الاعلامية الحديثة بل استحضرت هذه المواد المبيدة للحشرات ووزعتها مجاناً على الفلاحين ولا تزال تمونهم بها بأسلوب نظامي.
غير أن هذه الحرب تناولت أيضاً زراعة القطن، فوزعت الحكومة على الفلاحين مجاناً بذور القطن السليمة بعد تجريدها بالمواد الكيميائية من كل الحشرات المضرة.
وقال الخبراء الأوروبيون الذين اشتركوا في هذه الحملة القومية في فولتا العليا، ان نتائجها تناولت حتى الآن 80 بالمئة من المساحات المزروعة بالذرة والفستق أي ما يعادل نحو مليون هكتار.
أما أسباب النجاح فهي خاصة تسخير الوسائل الإعلامية المسخرة في هذه الحملة على الحشرات. ثم التناسق الرائع بين مختلف الدوائر الزراعية وتنظيم التوزيع على الفلاحين، ثم أن الفلاحين ساهموا في الحملة مساهمة حثيثة لان الفوائد كانت ملموسة وكادت تكون انية.
وخير ما يستنتج مما جرى في هذه الدول الافريقية الصغيرة «نحو خمسة ملايين ساكن» لانتزاع المواد الزراعية من انياب الحشرات، انها أضحت قدوة ومثالاً يحتذى به.
قال يوليوس قيصر لو توفرت له وسائل الدعاية الاذاعية والتلفزيونية لبسط سلطانه الى أطراف المسكونة.
وربما قالوا صواباً. ولكن لماذا ينبغي ان تسخر وسائل الاعلام للأهداف العسكرية ومطامع السيادة فقط؟ أليس يفضل أن تستخدم هذه الوسائل المستنبطة من عقل الانسان، لاحياء الإنسان ومكافحة الجوع والفقر والشقاء؟
|