حين تتعرض الأمة الإسلامية لنوازل وفتن مثلما تتعرض له أمم العالم قاطبة تتعالى أصوات نشاز تنسبُ كلَّ فعلٍ تخريبي مهما كان شكله وأبعاده إلى الفكر الإسلامي المستقيم! وكان الأمر في بدايته تلميحاً ثم بدأ الصوت يعلو تصريحاً بأن المناهج الإسلامية هي السبب في خروج فئة مارقة أو تنتهج فكراً منحرفاً!!
وإننا لنتألم حين يُربط الارهابُ بحلقات تحفيظ القرآن أو الأشرطة الإسلامية أو المناهج الشرعية في مدارس التعليم العام. وبه يشرع أصحاب تلك الأصوات إلى زرع فتيل الفتنة داخل أرض الوطن وبين أبنائه ليتم فيها إخماد وهج الشباب الإسلامي المستقيم على شرع الله وسنة رسوله الكريم.
ولعلنا لو عدنا إلى زمنٍ شهده السواد الاعظم من مجتمعنا حين كان شبابنا يتهافتون على أشرطة المطربين ومجلات الفنانين، ويعلقون صورهم على كل جدارٍ وباب! لوجدنا اننا كنا مغيبين عن حقوقٍ لنا تحت شعارات العروبة والقومية!! فلم يكن الإسلام إلا صلاة فريضة دون سنة وصيام رمضان دون تطوع! هذا عدا الاكتفاء بالزكاة المفروضة دون إدراك لمعاني الصدقة!! تعصف بنا أفكار روايات «ثروت أباظة» من ناحية وروايات «عبير» من ناحية أخرى!! بحسب الطبقة الثقافية والعمرية.
وحطت الطفرة علينا بما تحمله من مغرياتٍ مادية كادت تقتلعنا من جذورنا لولا لطف الله بأن أشرقت علينا شمس الصحوة، فاستبدلنا أشرطة الفن بأشرطة الذكر، وتطهرت قلوبنا من أدران معاصٍ كنا نعدها من اللمم، وأصبحت أيام الأسبوع تعني بداية ووسطاً ونهاية، فصار لصيام الاثنين والخميس متعة لدى الشباب بجنسيه يشتركون به مع أهلهم في السحور والفطور وأصبح إحياء الصلاة جماعة في الفجر من سمات مجتمعنا يتسابق فيها الشباب مع الشيوخ، وظهرت سحنة جميلة للشباب باللحى والوقار، والجمال، وأي جمال حين تحلف السيدة عائشة رضي الله عنها بقولها «والذي زيّن الرجال باللحى» فما بالكم بشبابنا الذي كفّ يده وغضّ بصره عن الحرام؟! ولسانه عن اللغو؟! «والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده» وهل هناك أروع من شاب نشأ في طاعة الله !! ولا أبالغ حين أقول إنه لم يكن للشباب هيبة في المظهر مثلما بدت هيبته إبَّان الصحوة وما زالت!!
وعليه لابد أن نعترف أن من يكره أولئك الصفوة التي تقوم الليل فتختم صلاتها بوترٍ، وتعمل في النهار لعمار الأرض بالتدريس أو الطب أو الهندسة، أو علوم الحاسب أو اعمال دنيويةأخرى فلا يعدو عن كونه حاسداً !! فكيف بامرئ يحوز على النجاح والتوفيق في الدنيا والأجر في الآخرة!!
ومما يشعرك بالزهو أن هؤلاء الشباب الذين استقاموا على الحق يمتازون - إجمالاً - بالسمت والوقار في أشكالهم، والأمانة والإخلاص في أعمالهم، ولا نزكي على الله أحداً، ولا إخالكم إلا قابلتم أنموذجا لتلك الشخصيات وأدهشكم التعامل الرفيع معها سواء كانوا أطباء مشفقين على مرضاهم ناصحين لهم أو صيادلة أو فنيين مهرة أو مبدعين في علوم الحاسب أو معلمين ومربين لأبنائكم أو غير ذلك من المهن والاعمال، وحين أتحدث عن الشباب فلأنني قابلتُ أمثالهم وأقرانهم من النساء وسعدتُ أن مجتمعنا يحتضن شباباً أعزهم الله بالإسلام حين جعلوه مسلكاً دنيوياً لهم ومبدأ يسيرون عليه مهما كانت المغريات، وبعيداً عن نشاز الفكر والتصرف الذي نبرأ بشبابنا منه.
وإن كانت العقيدة لدينا صافية منذ أزال عنها الدرن المجدد الشيخ «محمد بن عبدالوهاب» بتوجيه الناس ونصحهم بالكف عن زيارة القبور للتوسل بأصحابها وترك البدع التي تشوه جمال الإسلام، فإن العقيدة بحاجة إلى دعوة من مقوماتها العلم الصحيح المرتكز على الفكر المستنير والحوار البناء مع قوة في الحق، وصدع بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لتبقى شريعتنا ناصعة البياض كما أرادها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: «تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها من تركها فقد هلك» وإن مما يؤسف له أن تلك الأصوات تصدر من أبنائنا الذين نهلوا من تلك العلوم الشرعية والمناهج الدراسية، وممن لمسوا سمات المجتمع المتدين الذي يجنح إلى الرغبة بالأمن والسلام ويحب لأخيه ما يحب لنفسه. فمن ينزع الفتيل؟؟!!
ص.ب 260564 الرياض 11342
|