Saturday 14th june,2003 11216العدد السبت 14 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

يارا يارا
من يحب صدام حسين
عبدالله بن بخيت

بعد أن خيبت المحاكم الأمريكية كل آمال حفار القبور في انتقام يليق بما حدث لبناته اضطر ان يتجه إلى الدون كلريون ليرد له شرفه السليب. فمن غير المعقول ان يحكم على شابين اغتصبا بناته وافقداهن شرفهن بمجرد سنوات قليلة في السجن. فالشرف بالنسبة لصقلي مثله لا يغسل إلا بالدم، شعر حفار القبور بالامتنان العظيم لابن جلدته بعد أن حقق له ما يريد وأصبح بعدها مداناً له برقبته.
ولكن الدون لم يطلب أي شيء في المقابل بل طلب منه ألا يتردد عندما يحتاج إلى أي شيء آخر فقد تعود كل الصقليين والايطاليين في نيويورك على هذه المكارم العظيمة من الدون الشهم. كانت شهامة الدون تتجاوز حدود عائلته وأقاربه لتمتد لكل محتاج من الإيطاليين المستضعفين والفقراء، لا يتسامح في الشرف أو الظلم أو في مسألة الاستكبار.
كما كان محبا للأطفال لا يستطيع مقاومة براءتهم والأهم من هذا كان ميالا للسلم، لا يلجأ إلى السلاح إلا عند الحاجة القصوى كان يريد أن تعيش العصابات في سلام على كل عصابة أن تحترم حدود العصابة الأخرى وأن يتم تسوية الخلافات بالطرق السلمية.
بعد ان انتهيت من قراءة الكتاب فوجئت أنني أتعاطف مع أكبر مجرم في مدينة نيويورك قتل مئات البشر واستخدم كل أساليب الشر للوصول إلى أهدافه الخسيسة.
شعرت بكثير من الخجل من عواطفي الحمقى، لم أبح بها لأحد، اكتفيت سنوات لا أعبر عن هذه العاطفة واكتفي بابداء الاعجاب بأسلوب الكاتب الجميل في تصوير الشخصيات وفي كل ما يتعلق بتقنيات كتابة القصة.
بناء الجمل السريعة أو الطويلة وأخيراً شاهدت الفلم المبني على هذه القصة. خرجت من صالة السينما مهزوزاً بعواطف تحتاج إلى محاكمة خرجت من سحر الكلمات إلى أسر الشخصية. تأكد لي بعد طول تهرب أنني أتعاطف مع الشخصية بقدر ما أحببت الكتاب.
بدد الفلم مبررات تهربي من اعجابي بشخصية المجرم وضعني الفلم وجهاً لوجه مع شخصية الدون الجذابة ما الذي يحدث في داخلي؟
جريت إلى الكتاب وقرأته مرة أخرى ثم مرة ثالثة فبدا مختلفا عما بدر منه في القراءة الأولى.. وعرفت أيضا أنني لم أكن رخو العواطف كما صورت لي خبرتي الساذجة في الحياة، ان الأمر كله يدور حول الترجمة الصحيحة والواعية للعبارة التي تقول: ( إذا أردت أن تكتب عن الحياة فلا تضغط على أحد كفتي الميزان لترجح كفة على أخرى). ضع القارئ أمام نفسه، فالحياة مرتبطة بالواقع لا بالأفكار، ان احترامك للقارئ هو ان تكتب له عن حقيقة ما يجري في الحياة من تناقضات لا أن تكتب عن المثاليات الزائفة.الحياة لا تقوم على أن (كل شيء كويس) الحياة حشد من المواقف والأحداث المتناقضة. المجرم ليس مجرما على طول بل فيه جانب إنساني نبيل. والنبيل ليس نبيلاً على طول بل عنده خساسته المخفية. الكاتب هو الذي يدير الشخصيات والأحداث على وجوهها كلها، ويضع القارئ أمام اختبار حقيقي لعواطفه، لا أن يعطيه الحياة جاهزة معلبة في كراتين مثالية ( افعل كذا لا تفعل كذا) كما نتحدث مع الأطفال.
ترى من يحب صدام حسين!؟

فاكس:4702164

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved