إن كان الإنسان العادي يستخدم من قدراته العقلية نسبة عشرة في المائة، ويدع تسعين منها راكداً لا يستيقظ إلا بصدمة كما يقول علماء النفس والأعصاب من دارسي طاقات الإنسان وإمكاناته، فكم يحتاج المرء إلى صدمات كي تستيقظ أجزاء أخرى من هذه الراكدة كي تضعه في مواجهة مع جديد فيه، يمكِّنه من الربط بين ما هو طبيعي، وما هو من وراء الطبيعيِّ؟ ولعلَّ في هذه الحقائق العلمية التي يدرسها الإنسان عند تعلُّمه لأبجديات تركيب عقل الإنسان وربط ظواهره السلوكية، وإحصاء نسبة ذكائه، وتقنين قدراته، ومن ثمَّ تحديد نمطية سلوكه، وآماد إنتاجه، بل نوعية هذا الانتاج، ما يستدعي الربط بين حالاته الابداعية والابتكارية، وبين تعرُّضه لمواقف من الصدمات النفسية التي قد يتوالد عنها في هذا الإنسان شيء من الدوافع للابداع. ولعلّ المفهوم العام السائد بأن «المشكلة تولِّد الحل لها» أو «الإبداع من رحم المعاناة» فيه ما يشير إلى قدرة الإنسان على المعرفة لاستنتاج ما توصل إليه العلم من تمتُّع عقل الإنسان براحة نسبتها خمود الجزء الأكبر منه، وبأنَّ ما يستخدمه الإنسان منه لا يزيد عن نسبة العُشر بينما عندما يتعرض للصدمات فإنَّ الأجزاء الكامنة تتحرك وقد تكشف فيه ما وراء الطبيعة. بكلِّ تأكيد فإنَّ المبدعين سوف ينظرون إلى «الصدمات» كهدف يتطلعون لأن يصلوا إليه كي تتفجر طاقاتهم الكامنة. بينما جُلُّ ما يحدث في واجهة الحياة وفوق مسرحها من القوة بمكان بحيث يكون عامل صدمة لقدرات هؤلاء المفكرين والمبدعين كي تستيقظ فيهم قدراتهم الكامنة فيسجِّلوا هذه المرحلة إبداعاً قصصياً وروائياً ومسرحياً وشعرياً بل تأريخاً يكشف للقادم إرهاصاته الراهنة لمنح الأجيال القادمة تعاليل لكلّ مجريات ما يحدث كي لا تضيع الحقائق.
|