* قراءة وتحليل - ناصر بن عبد العزيز الرابح(*):
يعد الكتاب المفيد هو انيسك في الوحشة وجليسك الصالح وهو بمثابة النهر الذي تنهل من معينه الصافي وترتوي من مائه العذب فيه خبرات وتجارب ومعارف ومعلومات وحكم ومواعظ وقصص وسير ولعل افضل ما قرأته في الآونة الاخيرة وعاودت القراءة اليه مرات ومرات هو كتيب بعنوان «هكذا تعلمت الاسلام» لمعالي الاستاذ د. محمد بن احمد الرشيد وزير التربية والتعليم هذا الكتيب من الحجم الصغير الا انه يغني عن عشرات الكتب بما حواه من نصائح وتوجيهات مستخلصة من تجربة معاليه في حياته العلمية والعملية حيث دعم اكثرها بالدليل من الكتاب والسنة وقول علماء الامة حقيقة لم يستهوني مما قرأت من كتب بأن أعود اليه مرة ثانية وثالثة كم استهواني هذا الكتيب الذي وجدت فيه ما لم اجده في غيره يقول معاليه:
1- تعلمت ان الاخلاص - بعد الايمان - هو رأس الاعمال واساسها قال تعالى: {ومّا أٍمٌرٍوا إلاَّ لٌيّعًبٍدٍوا اللَّهّ مٍخًلٌصٌينّ لّهٍ الدٌَينّ حٍنّفّاءّ ويٍقٌيمٍوا الصَّلاةّ ويٍؤًتٍوا الزَّكّاةّ وذّلٌكّ دٌينٍ القّيٌَمّةٌ} «البينة: آية 5»، وهكذا فلا ينفع ايمان دون العمل، ولا عمل دون ايمان.
2- وتعلمت ان النية لا تقل اهمية عن العمل، ففي الحديث: انما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرى ما نوى، «متفق عليه». والنية من اعمال القلوب، لا يطلع عليها الا علام الغيوب لذلك لا يستطيع العباد ان يحكموا على نيات العباد انما يأخذون بظاهر الاعمال، ويكلون النيات الى الله.
3- وتأسيسا على هذا المعنى حثنا الاسلام على حسن الظن بالمسلمين، ان حسن الظن عبادة من العبادات، كما ان سوءالظن معصية من معاصي الله تعالى قال الله تعالى:
{يّا أّيٍَهّا الذٌينّ آمّنٍوا اجًتّنٌبٍوا كّثٌيرْا مٌَنّ الظَّنٌَ إنَّ بّعًضّ الظَّنٌَ إثًمِ} الحجرات: آية 12»، وقال رسول صلى الله عليه وسلم: «اياكم والظن، فان الظن اكذب الحديث»، «متفق عليه». اي احذروا اتباع الظن، واحذروا سوء الظن، فانه اكذب الحديث، لانه يكون بالقاءالشيطان في نفس الانسان فاذا اتضح لنا ان النية خفية لأن محلها القلب وان حسن الظن بالمسلمين مطلوب، وسوء الظن بهم ممنوع، تبين لنا عظم ذنب من يتهم الناس في نياتهم واخلاقهم، وعقائدهم وامانتهم، من غير دليل واضح وضوح الشمس في رابعة النهار، قال رسول الله صلى عليه وسلم «لا يرمي رجل رجلا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر الا ارتدت عليه ان لم يكن صاحبه كذلك» «رواه البخاري».
4- كذلك علمنا نبينا صلى الله عليه وسلم ان ندافع عن اخواننا عندما ينتقض منهم في غيبتهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من رد عن عرض اخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة» «رواه احمد والترمذي»، وقال صلى الله عليه وسلم «ومن رمى مسلماً بشيء يريد شينه به حبسه الله على جسر جهنم حتى ينفي من ذنبه بارضاء خصمه، او بشفاعة او بتعذيبه بقدر ذنبه.
5- ان الكلمة امانة امام الله ثم امام الخلق، وقد حذرنا الاسلام من القول بغير علم، قال سبحانه: {ولا تّقًفٍ مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ إنَّ السَّمًعّ والًبّصّرّ والًفٍؤّادّ كٍلٍَ أٍوًلّئٌكّ كّانّ عّنًهٍ مّسًئٍولاْ} ، «الاسراء: 26» ومعنى الآية كما ذكره المفسرون: لا تقل رأيت ولم تر، ولا سمعت ولم تسمع، ولا ترم احدا بما ليس لك به علم يقين.
فاذا كان عامة المسلمين مطالبين بهذا التثبت فمن باب اولى ان يطالب به الذين يرتقون المنابر ايام الجمع والاعياد، او يعقدون حلقات الوعظ والارشاد، وكذلك الذين يقومون بالتوجيه في الجامعات والمدارس والاذاعات والفضائيات، فان مسؤوليتهم مضاعفة، لانهم يبلغون دين الله، ولان اثرهم في المجتمع عظيم.
6- وقال الرسول صلى الله عليه وسلم «بئس مطية الرجل زعموا»، «رواه احمد وابو داود» اي اسوأ عادة للرجل ان يتخذ لفظ «زعموا» مركبا الى مقاصده، فيخبر عن امر تقليدا من غير تثبت، فيخطىء ويجرب عليه الكذب. والمقصود - كما قال العلماء: ان اخبار الرجل بخبر مبناه على الشك والتخمين دون الجزم واليقين قبيح، بل ينبغي ان يكون لخبره سند وثبوت، ويكون على ثقة من ذلك، لا لمجرد حكاية على ظن، بل ان الامر ابعد من ذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما سمع»، «رواه مسلم».
7- وهكذا، اذا ربينا انفسنا، وطلابنا، وطالباتنا، على هذه المعاني الاسلامية السامية انطفأت نيران الاشاعات الضارة في المجتمع، وسلمت الصدور، وانشغل الناس، بما ينفعهم في دينهم ودنياهم، وعرف المعلمون عموما، وطلبة العلم الشرعي خصوصا، انهم معلمون ودعاة، وليسوا قضاة على البشر، يصنفونهم الى فئة ناجية وفئة هالكة، وفئة بين بين وبناء على مقدار علمهم واجتهادهم، وفي حدود انسانيتهم التي لا تصفو من شوائب الجهل والهوى، وقد قال رب العباد سبحانه وتعالى لاكرم خلقه عليه الصلاة والسلام «فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب» «الرعد: 4» وقال تعالى: {مّا عّلّيًكّ مٌنً حٌسّابٌهٌٌم مٌَن شّيًءُ} «الانعام: 52».
8- لقد اهتم الاسلام باعمال الجوارح الظاهرة، كالصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، اهتماما بالغا وجعلها اركانا للاسلام، واهتم كذلك باعمال القلوب وآداب النفوس، وتزكيتها: قال تعالى: {ونّفًسُ ومّا سّوَّاهّا فّأّلًهّمّهّا فٍجٍورّهّا وتّقًوّاهّا قّدً أّفًلّحّ مّن زّكَّاهّا وقّدً خّابّ مّن دّسَّاهّا} «سورة الشمس 7: 10» اما صورة العباد الظاهرة اذا كانت خالية من روحها ومعناها، فلا قيمة لها، كما اشار الحديث الشريف: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورب قائم حظه من قيامه السهر» «رواه ابن خزيمة والحاكم»، ولهذا كانت تزكية النفس من اهم المهمات التي اعتنى بها الاسلام.
9- ان الاسلام يظل دعوى باللسان ما لم يطبق في الواقع، وان اقامة الشعائر هي المرحلة الاولى لظهور اثرها في النفس، والاخلاق، والمجتمع وقد جاء في الحديث الشريف: «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في ان يدع طعامه وشرابه» «رواه البخاري» ومن الحكم الدائرة على السنة الناس الدين المعاملة.
10- ان حظ العلوم الاسلامية في مناهجنا الدراسية بحمد الله اكبر من حظها في اي مكان آخر فيما نعلم، وهذه نعمة عظيمة، وعلينا نحن التربويين ان نعمل بكل جهد في ان يظهر اثر هذه المناهج في واقعنا وسلوكنا وعلينا ان نتخذ من الاساليب والوسائل ما يحقق تعميق اثر هذه العلوم في حياتنا ومعاملاتنا.
11- ومما تعلمته في الصغر، واحببته، وعملت به ما استطعت، ودعوت الى الاخذ به: الرفق في الامر كله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ان الرفق لا يكون في شيء، الا زانه، ولا ينزع من شيء الا شانه» «رواه مسلم» وقال: «ان الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف، ومالا يعطي على ما سواه» «رواه مسلم» وفي حديث آخر: «من يحرم الرفق يحرم الخير كله»، «رواه مسلم».
12- والمعلم الصالح، والمربي الصالح هو الذي يأخذ نفسه بالعزائم بحسب وسعه ليكون قدوة لمن يربيهم ويعلمهم، ويفتح للآخرين باب اليسر الذي يتسع له صدر الاسلام، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا بعث بعض اصحابه في بعض امره قال: «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا»، «متفق عليه»، فاذا استطاع المربي الصالح ان يبعث في نفوس الناس الطمأنينة والسكينة فقد حقق واحدا من اهم اركان التربية.
13- ومن انفع ما تعلمته في الصغر، وادركت اهميته البالغة في الكبر: التبين والتثبت فيما ينمى الينا من الاخبار، فأنا قد اسمع عن شخص انه قال قولا، او عمل عملا لا ارضاه، فلا انتقده، ولا انكر عليه قبل ان استوثق تماما من صحة النقل واحاول ان اذهب اليه - ان استطعت - لاسأله واستفهم منه، وكم من مرة فعلت هذا، وتبين لي بعد الاستيثاق غير ما نقل الي عنه وقد يكون النقل في بعض الاحيان صحيحا ولكن النظر في الخبر بتعمق، وملاحظة مناسبة ولهجته يدل على غير المعنى الذي استنبطه الناقل.
14- وتعلمت ان من الدين اجلال الكبير واحترام ذي الشيبة المسلم وتوقير العلماء الذين يستفاد من علمهم، وننتفع بسمتهم وهديهم الموافق للسنة. وهذا ما جاء في الحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا ويعرف لعالمنا قدره» رواه احمد.
15- وتعلمت ان رأينا في الامور الخلافية يحتمل الخطأ وان كنا نراه صوابا، وان الحق ليس وقفا على احد منا، قال الامام ابو حنيفة - رحمه الله - كما نقله عنه حافظ المغرب ابن عبد البر في كتابه «الانتقاء» هذا الذي نحن فيه رأي، لا نجبر احدا عليه، ولا نقول: يجب على احد قبوله بكراهة، فمن كان عنده شيء احسن منه فليأت به وقد كان الامام الشافعي رحمه الله يقول «لقد الفت هذه الكتب ولم آل فيها، ولابد وان يوجد فيها الخطأ، لان الله تعالى يقول: {ولّوً كّانّ مٌنً عٌندٌ غّيًرٌ اللَّهٌ لّوّجّدٍوا فٌيهٌ \خًتٌلافْا كّثٌيرْا } ، «النساء 82»، فما وجدتم في كتبي هذه مما يخالف الكتاب والسنة فقد رجعت عنه. «ذكر ذلك ابن شاكر في «مناقب الشافعي» ونقله عنه السخاوي».
فعلينا ان نتأدب مع من يخالفنا في الرأي، ولا نتسرع في تخطئتهم، وهذا من اهم اركان «فقه الخلافة»، وعلينا ألا نطيل ألستنا فيمن نخالفهم حتى لا نفجر الخصومة، فتكون فينا بعض صفات المنافقين الذي اذا «خاصموا فجروا» كما ورد في الحديث: «اربع من كن فيه كان منافقا خالصا، من كان فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها : اذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، واذا عاهد غدر، واذا خاصم فجر» «متفق عليه».
16- وتعلمت ان المسلم مطالب بأدب الحوار حتى مع المخالفين له في الدين، قال الله تعالى : {ولا تٍجّادٌلٍوا أّهًلّ الكٌتّابٌ إلاَّ بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ} «العنكبوت: 46».
قال تعالى: {ادًعٍ إلّى" سّبٌيلٌ رّبٌَكّ بٌالًحٌكًمّةٌ والًمّوًعٌظّةٌ الحّسّنّةٌ وجّادٌلًهٍم بٌالَّتٌي هٌيّ أّحًسّنٍ إنَّ رّبَّكّ هٍوّ أّعًلّمٍ بٌمّن ضّلَّ عّن سّبٌيلٌهٌ وهٍوّ أّعًلّمٍ بٌالًمٍهًتّدٌينّ} «النحل: 125».
ويروى ان الامام الشافعي - رحمه الله - قال: ما ناظرت احدا فأحببت ان يخطىء.
ان الحوار بقصد الوصول الى الحقيقة والتفاهم يورث الود، واختلاف الرأي لا يفسد للود قضية.
17- وتعلمت ان العدل والانصاف وتحري الدقة في الحكم من شأن المسلم، فقد امرنا سبحانه ان نكون عادلين في احكامنا ولو مع الذين تكرههم، قال تعالى: {ولا يّجًرٌمّنَّكٍمً شّنّآنٍ قّوًمُ عّلّى" أّلاَّ تّعًدٌلٍوا } «المائدة: 8».
18- وتعلمت ان المربين والعلماء يجب الا يثيروا مشاعر الناس بمنطق المواطف البعيد عن الحكمة، وعليهم ان يخاطبوهم بالاسلوب الذي يستطيعون فهمه واستيعابه، قال علي رضي الله عنه: «حدثوا الناس بما يعرفون، اتحبون ان يكذب الله ورسوله»؟
«روي البخاري معلقا»: وقال عبد الله بن مسعود: «ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم الا كان لبعضه فتنة «رواه مسلم في مقدمة صحيحه».
19- وتعلمت ان العبرة بحقيقة الامور لا بصورتها، ولا يجوز ان يشغلنا المظهر عن الحقيقة، وان كانت رعاية ما جاء في الشرع عن المظهر امرا ينبغي ان نتحلى به ويقول رسول الله صلى عليه وسلم «ان الله لا ينظر الى صوركم واجسامكم ولكن ينظر الى قلوبكم واعمالكم» «رواه مسلم».
20- وتعلمت احاديث شريفة عديدة لا يزال لها وقع خاص في سمعي وقلبي منها قوله عليه الصلاة والسلام «ملعون من ضار مؤمنا او مكربه» وقوله: «من ضار مؤمنا ضار الله به»، «اخرجهما الترمذي»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فان الظلم ظلمات يوم القيامة»، «رواه البخاري ومسلم» وكثيرا ما كنت اردد قول الشاعر العربي:
وظلم ذوي القربي أشد مضاضة
على النفس من وقع الحسام المهند
ثم اني عقدت العزم ان افوض امري الى الله حين اشعر بظلم وقع علي، واستغفره دائما، واحتسب اجري عنده ذلك تهدأ نفسي، ويرتاح قلبي والحمد لله على فضله.
22- واخيرا فاني اذكر نفسي واخواني انه لا يسلم من السنة الناس احد، والانبياء الكرام عليهم الصلاة والسلام لم يسلموا من اذى اقوامهم بالأيدي والالسنة، ونحن مأمورون ان نقتدي بهم، وان نصبر ونحتسب الاجر عند الله قال تعالى: {ولّمّن صّبّرّ وغّفّرّ إنَّ ذّلٌكّ لّمٌنً عّزًمٌ الأٍمٍورٌ} ، الشورى: 43» وقال: {والًكّاظٌمٌينّ الغّيًظّ والًعّافٌينّ عّنٌ النَّاسٌ واللَّهٍ يٍحٌبٍَ المٍحًسٌنٌينّ} ، «آل عمران : 134».
هذه خواطر عنت لي في ظل بعض الظروف التي نعيشها، احببت ان اضعها امام اخواني واخواتي من المعلمين والمعلمات، ابنائي الطلاب والطالبات، سائلا الله ان يعلمنا جميعا ما ينفعنا، وان ينفعنا بما علمنا، انه اكرم مسؤول، والحمد لله رب العالمين.
وهنا لي تعليق كم كنت اتمنى لو ان الوزير احاط كافة المسؤولين في وزارة التربية والتعليم سواء كانوا وكلاء او مدراء عامين في الوزارة نفسها ومديري عموم التعليم بما حواه هذا الكتيب القيم من فوائد عظيمة تستوجب الالتزام بمحتواه والعمل بمقتضاه بل هذا الكتيب يمكن ان يستفيد منه كل العاملون في قطاعات الدولة من مدنيين وعسكريين ختاما نسأل الله ان يجزي معاليه خير الجزاء على ما كتبه واوضحه وبينه.
(*)مشرف تربوي بإدارة التعليم بحائل
|