* القاهرة - مكتب «الجزيرة» - أحمد سيد:
أرسى مجلس التعاون الخليجي في مسيرته خلال العشرين عاما الماضية برنامج العمل الاقتصادي العربي المشترك الذي حددت خطوطه العريضة بنود الاتفاقيات الاقتصادية الموحدة والتي تؤمن إقامة وحدة اقتصادية خليجية هدفها تنمية وتوسيع الروابط الاقتصادية فيما بين الدول الأعضاء، وتنسيق وتوحيد سياساتها الاقتصادية والمالية والنقدية والتشريعات التجارية والصناعية والنظم الجمركية والتي رسخت بحق مكانة محورية وثقلا استراتيجيا عالميا لبلدان المنطقة على الساحة السياسية والدولية. وذكرت دراسة حديثة أصدرها اتحاد المصارف العربية بعنوان «مصارف الخليج - نمو يغذيه التعاون» أن مجلس التعاون لدول الخليج العربية يعد أحد الروافد الأساسية للعمل العربي المشترك ونواة للسوق العربية المشتركة المرتقبة التي تعد الأساس الحقيقي لاقامة التكتل الاقتصادي العربي المنشود كما يعتبر من أنجح أمثلة الوحدة الاقتصادية على المستوى العربي بعد تباطؤ التعاون العربي في مختلف أشكاله. وفي معرض تقييمها لتجربة دول مجلس التعاون أكدت الدراسة ان التجربة الناجحة لعملية التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول المجلس لها أسبابها، فالإرادة السياسية موجودة وعدم التناقض بين التوجه القومي والتوجه القطري غير موجود وعدم تقليد تجارب التكامل الاقتصادي الدولية الأخرى دون الأخذ بعين الاعتبار العوامل الداخلية لم يحدث، كما ان القرارات التي تتخذ ضمن مجلس التعاون ليست مجرد توصيات فقط بل تجد في الكثير منها طريقها نحو التنفيذ، والبنى الاقتصادية الخليجية متشابهة إلى حد كبير خاصة مع تواصل خطوات الإصلاح والانفتاح الاقتصادي المتبناة منذ مطلع التسعينات إضافة إلى التنسيق على مستوى السياسات الاقتصادية المحلية وضمن توجه إقليمي وليس فقط محلي.. مشيرة إلى أن هذه العناصر وغيرها تعد الأسباب الحقيقية وراء نجاح تجربة التعاون والتكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي.. وهي ذات العناصر التي لم تكن موجودة بنفس القدر على مستوى المناطق العريية الأخرى.
نجاح تجربة التعاون
وقالت الدراسة ان هناك سببا رئيسيا واستراتيجيا وراء نجاح تجربة التعاون بين دول المجلس وهو يتمثل في التدرجية المعتمدة في تنسيق السياسات الاقتصادية بكل أشكالها وليس التسرع في خطوات التكامل الاقتصادي والاندفاع العاطفي وراء أبعاد اقتصادية هامة تتطلب الارادة والتصميم والتحركات الجدية والهادفة.. موضحة ان تدرج عملية التكامل الاقتصادي بين دول المجلس هامة وأساسية لاستكمال بناء تكتل اقتصادي خليجي قوي له مكانته على الصعيدين الاقليمي والدولي وهذا التدرج مطلوب في حالة الدول العربية الأخرى الساعية وراء تعاون ثنائي أو متعدد الأطراف.
وأضافت ان المنجزات التي تحققت في دول مجلس التعاون كانت ضرورة حتمية ومطلبا ملحا، لكنها بالتأكيد غير كافية لجعل دول المجلس قادرة على الدخول إلى القرن الواحد والعشرين بقوة وكفاءة عاليتين.. مطالبة أن تشكل المنجزات التي تحققت بداية انطلاقة شاملة ومستمرة نحو التغيير والتجدد لا ان تشكل نهاية المطاف حتى يمكن استغلال الفرص الواعدة والجديدة التي تتيحها العولمة وتجنب إفرازاتها السلبية.
وأكدت دراسة اتحاد المصارف العربية انه عند النظر إلى أهم ما شهده التعاون الاقتصادي الخليجي خلال عام 2001م يلاحظ العديد من المنجزات الفعلية التي تحققت لدعم خطى دول المجلس لتحقيق أقصى قدر من التكامل الاقتصادي أو لتهيئة المناخ الاقتصادي المناسب ووضع الأسس الضرورية لقيام مثل هذا التكامل والسعي نحو تعميق جذور المواطنة الاقتصادية الخليجية، وتشير البيانات إلى ان دول المجلس قطعت شوطا طويلا في توحيد السياسات حيث اقرت عددا من الوثائق في هذا الإطار منها تلك المتعلقة بأهداف وسياسات خطط التنمية والسياسة الزراعية المشتركة والاستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية والإطار العام للاستراتيجية السكانية لدول مجلس التعاون، وفي مجال ربط البنى الأساسية فإن دول المجلس تعمل حاليا على إنجاز المرحلة الأولى من عملية الربط الكهربائي بينها واستكمال مسار الطريق البري المباشر بينها وانجاز شبكة الاتصالات، فيما يمتد التعاون على صعيد اقامة المشاريع المشتركة إلى انشاء ودعم المشروعات البينية برؤوس أموال عامة وخاصة ومشتركة بتحقيق التكامل الاقتصادي والتشابك الإنتاجي وتشجيع القطاع الخاص على اقامة المشاريع المشتركة بما يؤدي إلى ربط المصالح الاقتصادية للمواطنين.
إنجاز خليجي كبير
وأوضحت ان حوالي 11 ألف مواطن من دول مجلس التعاون يمتلكون عقارات في دول أعضاء أخرى، كما يمتلك مواطنو التعاون أسهم الشركات المساهمة الأمر الذي أصبحت بموجبه أسهم 277 شركة برأسمال يبلغ حوالي 29 مليار دولار قابلة للتداول والتملك من قبل مواطني دول المجلس كما يسمح لمواطني المجلس بممارسة تجارة التجزئة والجملة وممارسة المهن والأنشطة الاقتصادية المختلفة.. منوهة إلى أنه خلال عام 2001م حققت الدول الخليجية انجازا كبيرا يتعلق بالانتهاء من ربط جميع شبكات الصرف الآلي لجميع دول المجلس بالشبكة الخليجية الموحدة، وأصبح بامكان المواطن الخليجي السحب من حسابه من أي آلة صرف آلي في دول المجلس بنفس التكلفة التي يدفعها في بلده وبسعر الصرف الرسمي.
وذكرت الدراسة ان أداء البورصات في دول مجلس التعاون يتفاوت كما تتفاوت طبيعة وشدة الهزات التي تتعرض لها هذه البورصات بين فترة وأخرى، ولا شك ان هناك عوامل مشتركة تؤثر في أداء البورصات الخليجية الست، فتقلبات أسعار النفط في الأسواق الدولية تجد انعكاساتها بصورة مباشرة في أسواق المال الخليجية كما ان تذبذب مؤشر الأسهم في أي بلد منها يوجد له صدى في بقية بورصات دول المجلس.. وبالاضافة إلى العوامل السابقة هناك العديد من الصعوبات والمعوقات المشتركة التي تحول دون القيام بدورها المنشود في تمويل التنمية الاقتصادية والاجتماعية بحيث مازال الجزء الأكبر من الاحتياجات التمويلية لكافة الأنشطة الانتاجية وبشكل خاص المشاريع الجديدة يتم استقطابه عبر المؤسسات المالية والمصرفية المحلية والأجنبية إضافة إلى الموارد المالية الحكومية والذاتية.
معوقات
وأشارت الدراسة إلى أن أهم المعوقات التي تواجه البورصات الخليجية هي عدم تنوع الأدوات الاستثمارية المالية حيث يقتصر معظم نشاط التداول في الأسواق المالية الخليجية على الأسهم فقط، ضعف الأطر المؤسسة اللازمة لتفعيل أسواق الأسهم في دول المجلس وضعف نشاط السوق المالي وصغر حجم الأسواق المالية الخليجية ومحدودية عدد الشركات المدرجة فيها والتي لا تتناسب والقدرات المالية الكبيرة المتوفرة لدى القطاع الخاص الخليجي.. مؤكدة أن الوضع السابق يؤدي إلى تزايد حدة المضاربات والتي تفقد أسواق المال الخليجية الكثير من المصداقية والثقة من قبل المستثمرين وضعف الشفافية ومصادر المعلومات الصحيحة عن أداء الشركات.
وأفادت الدراسة ان البورصات الخليجية تعتبر بشكل عام البورصات ناشئة وذات هيكلية متوضعة إذا ما قورنت بالبورصات الناشئة الاخرى في البلدان النامية الكبيرة نسبيا وغني عن القول ان صغر الأسواق يعد من المعوقات الرئيسية في جذب المستثمر الكبير سواء كان من المنطقة أو من خارجها.. وبمقارنة هذه الأسواق مع نظيرتها في الدول النامية نجد ان الصناعة تأخذ حصة 21% فقط من حصص الشركات المسجلة مقارنة بحصة 39% في الأسواق الناشئة.. منوهة إلى انه حتى الآن تسيطر قطاعات المصارف والعقارات على الجزء الأكبر من الشركات المتداولة في مقابل هيمنة قطاعات الاقتصاد الحديث مثل الخدمات والإنترنت والتجارة الالكترونية على اقتصاديات العديد من الاسواق الناشئة، لذا فإن تنمية اسواق منطقة الخليج تعتمد بشكل أساسي على تنمية الدخل القومي عبر تحرير الاقتصاد والاستثمار واعطاء دور أكبر للقطاع الخاص في الناتج المحلي مما سيقود بالتأكيد إلى ازدهار السوق خاصة اذا صاحب ذلك دورة من دورات انتعاش أسعار النفط.
|