قبل سنوات قليلة قرأت على غلاف مجلة أمريكية أظنها النيوزويك إشارة إلى تحقيق صحفي مفصل عن آلات التعذيب التي تنتج في أمريكا مع قائمة بالدول التي تستوردها. أثارتني فكرة توظيف عقول المخترعين والمهندسين لإنتاج تكنولوجيا التنكيل بالإنسان. بذلت جهوداً كبيرة لقراءة التحقيق بالكامل ولم أوفق (حتى الآن). كنت أعرف أن القضاء الأمريكي لا يقبل أن يعرض أمامه متهم في حالة صحية غير جيدة. هذا يعني أن آلات التعذيب التي تنتج في أمريكا تحقق الحسنيين: توفر العذاب الكافي لانتزاع المعلومة من المعتقل وفي الوقت نفسه لا تظهر أي آثار على جسده تدل على أنه تعرض لأي تعذيب أثناء التحقيق. أعتقد أن جهازا مثل هذا يستحق الإشادة بعبقرية أمريكا. فهو الصورة الأخيرة في التطور الإنساني على طريق مظلم مخضب بالدموع والآلام. (تأملوا في عبقرية مبتكر معتقل غنتنامو).بذل الإنسان جهوداً عظيمة للتوصل إلى جهاز مثل هذا فالإنسان الممثل للشيطان يتطور بموازاة تطور العدالة الإنسانية وقوانينها وكثيراً ما يتفوق عليها.
فمنذ أن تعرف الصينيون على نظام التعذيب بالتنقيط توالت الاختراعات والاكتشافات وأظهرت كثير من النظم امكانياتها وعبقريتها لانتاج إما أجهزة تعذيب أو وسائل للتعذيب، فتأكد للتاريخ أن التعذيب جزء من طبيعة الإنسان. لا توجد حضارة إنسانية دون أن يكون لها وسائلها ومخترعاتها الخاصة بها. حتى أضحى التعذيب بالتنقيط المفضي إلى الجنون أسلوبا متخلفا ينتسب إلى العصور البدائية.
كنت أقرأ عن التعذيب في طيات قراءتي المختلفة. لعل بعضكم قرأ كتاب الفراشة (تحول إلى فلم سينمائي موجود عند بائعي الفيدو في المملكة) أما الكتاب فموجود الآن في معظم المكتبات العربية خارج المملكة. يحكي هذا الكتاب قصة رجل حكم ظلما في جريمة قتل ونفي إلى جزيرة في أمريكا الجنوبية كانت تتخذ منها فرنسا منفى لسجنائها. قضى الرجل ثلاثين سنة يحاول أن يهرب من سجنه حتى نجح في النهاية وعاد إلى فرنسا وأثبت براءته. الشاهد بعد أن اكتشفت محاولته الأولى للهرب أودع مدة خمس سنوات في زنزانة الصمت. وهي زنزانة صغيرة الحجم قذرة مظلمة رطبة. أوضح آمر السجن في خطبته العصماء أمامهم أن الهدف من وضعهم فيها هو تدميرهم معنوياً ومادياً.من أشهر وسائل التعذيب في ذاكرتنا القريبة الجهاز التركي المعروف بالخازوق الذي كان يستخدم لإزهاق أرواح ضحاياهم. والخازوق هو قضيب حديدي مدبب الرأس يغرز في فتحة الشرج ليمضي بهدوء وطمأنينة في داخل أحشاء الإنسان حتى يخرج من الكتف. لابد أن يكون الجلاد خبيرا في مواضع الموت في أحشاء الضحية (كالقلب) حتى يتجنبها لكي لا تفوز الضحية بموت سريع يخلصها من العذاب. وفي التراث العربي تلتقي بكثير من أساليب العذاب الموصل إلى الموت أقلها ما كان يعرف بالبناء عليه. يوضع المعتقل في غرفة ثم يبنى عليه أي تلطس الأبواب والنوافذ ويترك ليتعفن على راحته.البقية يوم الأربعاء بعد غد لعرض كتاب بهذا الخصوص.
|