في زمن الفتن وتعاقب الاحداث تبرز على الساحات خفايا المجتمعات وما تحمله من متغيرات يومية تضغط عليها افكار متنوعة كل واحدة منها تجادل عن نفسها وتريد اثبات وجودها محاولة بذلك التطاول بعنقها وسط الزحام، في هذه الاثناء كان ينبغي للصراحة أن تأخذ مكانها المقبول والمرضي لجميع الاطراف الملتقية على مائدة الحوار سواء المختلف منها او المتفق فإن مما يفتح العقول للحوارات الناضجة والطروحات الموضوعية الحرة الشرعية هو تمييز احاديثنا عن طريق تزويدها بزاد الصراحة المدعومة بجميل الالفاظ والمقننة بالمكاشفة النقية والبعيدة جدا عن العواطف وبواعثها المعمية للألباب ذلك ان القضايا المصيرية وغيرها حين تشرع ابوابها على مصراعيها لتلجها العواطف تجعل التعامل معها والحكم عليها معدوم الحكمة فيسود النقد التأثري الجائر حين تطغى غشاوة العاطفة على القلب فلا يرى الا بها ولا يحكم الا بما تلزمه به.
ان مجاملة الآخر زجٌّ به الى المهلكة واقتياد له مع فكره المجامل الى الطريق الملتوي وهذا مدعاة الى ان ينظر بعين واحدة الى الناصحين والمصلحين من حوله على انهم حساد يملون عليه ما يمليه عليهم حقدهم وهم في الحقيقة من هذا براء، ثم ان توسيع دائرة المجاملات الى مرحلة الاعجاب بحلاوة العلقم وجمال صوت الابكم تجعل المصابين بدائها وغشاوتها اشبه بالبالونات المليئة بالهواء يفتضح امرها مع اول امتحان لها مع الصبر ولهذا فان ممارسة المجاملات بكثرة يعد نوعا من انواع التدليس وضربا من ضروب الخديعة ولن يجد المخدوعون بها في يوم ما من يزيف لهم الحقائق بل سيقول لهم بلا ريب هؤلاء انتم وهذا هو المطلوب فاما ان تجيدوا واما ان تغيروا او لا مكان لكم معنا فارحلوا وعندها سيصدمون بحقائق انفسهم وعيوبها الغائبة عنهم.
ان فريقا ممن يزعمون الايمان بفكرة الحوار البناء والنقاش الموضوعي النزيه وممن يهتمون بأساليب لم الشمل ونبذ الفرقة هم اشد الناس كفرا بهذه النظريات فما تلبث مزاعمهم الهشة ان تنكشف امام سيل الاحداث المتعاقبة والفتن المتلاحقة ذلك ان الحوار حين يقوده من لا يريد التنازل عن رأيه قيد انملة فانه لا يعدو ان يكون اجتماعاً بلوره عاقدوه شعروا ام لم يشعروا على تضييع الوقت به واستهلاك مادة الكلام فيه، فالنقاش حين يكون هدفه المبطن انتصار للذات واثبات لشهوة المجادلة الساعية للاسكات ومن ثم الاطاحة بفكرة المناقش وتذليلها واذابتها ولو حملت في طيها احيانا بوادر الحق وبراعم يافعة تتقبل التصحيح والتنمية كل هذا يؤكد هشاشة تلك المبادىء الحوارية وضعف روادها.
ان محاولة الرقي للأفضل بعيدا عن سلالم المكاشفة والمصارحة وتقليل الاخطاء وتوضيحها ومواجهة المخطئ بها كل هذا يصيب المجتمع بأمراض القوة الوهمية والاعجاب بالتفاهات وبالمقابل فان ازالة الغشاوة عن الحوار مطلب مشرق ومضيء لأولي الابصار.
ان الآداب الاسلامية الراقية ينبغي ان تظهر في مكانها المناسب وسط الحوارات الهادفة البناءة والا تكون مترددة دائما على الالسن دون ان تهذبها او تتطبع بها، فبامكاننا ان نكون مقنعين لكل الناس بما نريد اذا ملأنا عقولهم بما يريدون وذلك بسلوك بعض الاساليب الفنية المركبة الساحرة التي لا تضرنا في عقيدتنا ولا تهز من ثوابتنا.
ان الناس يعجبون دائما بمن يفتحون لهم الصدور بأريحية مطلقة وبمن يتقبلون افكارهم ويتفاعلون معها بروح المحبة والمصافاة، انهم قد يتنازلون عن بعضها اذا احسوا فقط بأمانة من امامهم وبصدق الرسالة التي يحملها بين جنبيه ذلك انه ومن على شاكلته من الصادقين المخلصين ان يريد الا الاصلاح ما استطاع فقمِنٌ ان يطاع بما يستطاع.
فما اجمل الحق حين يبحث عنه مبتغيه بصدق ونزاهة وما اسرع الوصول اليه اذا ابعد عن نفسه غشاوة المكابرة فبهجرها وطردها يصل الى بغيته باذن الله وتوفيقه.
|