(34) وقال تعالى: {وّلّقّدً أّرًسّلًنّا رٍسٍلاْ مٌَن قّبًلٌكّ وّجّعّلًنّا لّهٍمً أّزًوّاجْا وّذٍرٌَيَّةْ وّمّا كّانّ لٌرّسٍولُ أّن يّأًتٌيّ بٌآيّةُ إلاَّ بٌإذًنٌ اللَّهٌ لٌكٍلٌَ أّجّلُ كٌتّابِ (38) .
لقد تبادر إلى ذهني تلك الذكريات الجميلة التي أحملها عن الشيخ فهد العويضة وأنا أشاهد جموع المشيعين له، وكيف فقدنا رجلاً يعادل مجموعة رجال ينفق بسخاء ويتفقد أحوال الفقراء في كل مكان، وكان يقول رحمه الله هذا هو الغرس الحقيقي. لقد كان لي ذكريات جميلة مع الشيخ رحمه الله، فقد كان له موعد سنوي يحضر إلى منطقتنا النائية بسيارته الخاصة وكان ذلك في أواخر الثمانينات الهجرية تقريباً، ويوزع الصدقات على الفقراء والمساكين في قريتنا والقرى المجاورة، وكان منزل الوالد رحمه الله المحطة الأخير له، فكنا محظوظين أن يجلس معنا ويتناول طعام الغداء معنا سنويا وكان يحرص رحمه الله على ما اعتقد على تناول طبخ الوالدة أطال الله في عمرها وخصوصا من الاكلات الشعبية وكان يكره التكلف في الطعام والولائم، لذلك كان الوالد رحمه الله يحقق رغبته، وكان وقته مباركا فيه جداً حيث يحضر لمنزلنا بعد صلاة الظهر ويرتاح قليلا ومن ثم يقرأ حزباً من القرآن الكريم (وما زلت أحتفظ بمصحفه) ويتناول طعام الغداء ويسمع أخبار الراديو، ومن ثم يذهب قبل صلاة العصر، لذلك لا أستغرب قيادته لهده الامبراطورية التجارية.
أما قصتي معه فكنت حينها طفلا صغيراً، أحضر للوالد الشاي والقهوة وكان رحمه الله يلاطفني ويمازحني كثيراً، والأهم من ذلك لدي انه يعطيني 50 ريالا (كأكبر مبلغ يحصل عليه طفل في ذلك الوقت)، كنت أنتظر هذه الخمسين طويلا وأنتظر حضوره كل سنة لأحصل عليها، وكنت أعمل ميزانية لصرفها، وكان عندما يحضر رحمه الله في السنة الأخرى يسألني عن الخمسين ريالا وعن صرفها، وأعدِّد له ما اشتريت بها وكان يبتسم كثيراً رحمه الله، وكان ينصحني بعدم التفريط (بالدراهم)، ويحثني على الدراسة والتجارة.
رحم الله الشيخ فهد العويضة فقد كان مجموعة رجال في رجل واحد ومجموعة عقول في عقل واحد، وأعزي نفسي وقريتي في فراق الشيخ.
ولكن ما يثلج الصدر ويهوِّن المصيبة تلك الجموع الغفيرة من المسلمين الذين حضروا تشييعه والدعاء له فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنتم شهداء الله في أرضه). رحم الله الشيخ فهد العويضة ورزقه داراً خيراً من داره، وتقبل الله دعاء شيوخنا وعجائزنا إنه تواب غفور سميع الدعاء.
|