قبل ستين أو سبعين سنة لم يكن هناك من وسائل المدنية ما يدعو إلى الدعة والراحة والخمول لذا كان الناس كلهم يعملون، التاجر في متجره والنجار في منجرته والزارع في مزرعته وكان معهم أولادهم فكانوا بعيدين كل البعد عن الكسل والنوم تلك كانت حال آبائنا عندما كانوا شباباً في وقتهم فما حال شباب اليوم آباء المستقبل ؟!!
لقد تلاشت الهمة والعزيمة وحلً مكانها الاتكالية وتلاشى الإقدام للعمل المهني ليحل محله الخجل فانقلبت حياة شبابنا أعني طلابنا في أول يوم من الإجازة إلى قلب نمط المعيشة التي فطر الله الناس عليها إلى نوم النهار كله ثم السهر إلى أن تطلع الشمس.
وعلى هذا «يبقى شبابنا مدة العطلة وهي ربع السنة تقريباً بلا عمل فتعودوا على الكسل والبطالة.. أو أن يتطيبوا ويتعطروا ويتبختروا في عشيات الصيف «1». أمام الأسواق الضخمة والشوارع يستعرضون حسنهم وجمال خلقهم..
إننا بحاجة إلى إعادة صياغة حياة طلابنا صياغة من جديد وهذا يكون بداية من المعلم في صفه لبث روح حب العمل ونبذ الكسل والاتكالية على الآخرين والى زيادته إنشاء المراكز التي تتولى تنمية الجوانب الفكرية والاجتماعية والرياضية وتدرب على تحمل المسؤولية والعمل أو إلى إنشاء مكاتب هدفها إعلان الوظائف والمهن التي تحتاجها الشركات أو حتى أصحاب المتاجر والمحلات وغيرها ويكون ذلك في كل مدينة يتيح للشباب سهولة البحث عن العمل في العطل الصيفية.
والشرط الأول والأخير في هذا كله ان يكون هذا العمل لله وحده لا يستغل لمصلحة أخرى ... وان يقوم على تنمية العقول بالمحاضرات وتصفية الأرواح بالعبادة والذكر وبث روح التعاون وتعويد الشباب تحمل التبعات وان تحبب إليهم حياة الاستقلالية لا حياة الاتكالية، وان يعلموا ان العمل ليس عيباً ولو كان كنس الشوارع ولكن العيب ان يكون الشاب من أهل البطالة، أو من أهل الفسوق، وان يكون كَلاًّ على أبويه وهو يستطيع أن يشتغل وان يقتصر على الشباب فقط فلا يكون وسيلة للاختلاط، ولا يكون باباً للفساد. «2».
وان نضع الشاب في محله المناسب له سناً وعقلاً فلا كل شاب يصلح ان يختلط في سوق العمل بين العمال في الشركات أو بين المحلات والمتاجر وألا يكون على حساب إضعاف الهمة والتطلع إلى المعالي والقمم العالية «3» وألا يكون على حساب الفكر والعقل.
واعلموا أننا لو سرنا على ذلك لخرج لنا جيل مثل أجيال الأمم الأخرى عملاً وهمة وعزيمة.
لكن أنّى لنا ذلك عندما نعلم ان آباء طلابنا هم بذاتهم يحتاجون إلى إعادة في بناء التربية لديهم عندما أحالوا تربية أبنائهم إلى الشارع أو المقهى أو شاشات الفضائيات أو التلفاز.. وهم في استراحاتهم لا يعلمون شيئاً أو لا يريدون ان يعلموا شيئاً.
هوامش
«1»، «2» من كتاب «مع الناس» للإمام علي الطنطاوي رحمه الله والعنوان له أيضا فرأيت أنا أنه مناسب أعني العنوان لما نعيشه اليوم.
«3» فنحن بحاجة إلى علماء ومفكرين وصانعين وأطباء وطيارين ومهندسين من أبنائنا.
|