المياه الزرقاء أو الجلوكوما هي مرض يصيب العين ناتج عن حدوث ارتفاع في ضغط العين بدرجة تؤدي إلى تأثر تركيب ووظيفة أنسجة العين مما يترتب عليه تأثير النظر. وخطورة هذا المرض تكمن في ان الضرر الذي يلحقه بالنظر غالباً ما يكون مستديماً، وينصب العلاج أساساً على المحافظة على النظر الموجود وليس استعادة ما فقد. ومن هنا تكمن أهمية التشخيص المبكر للمرض، كما تكمن أهمية التوعية بهذا المرض وأنواعه وأعراضه حتى يمكن تجنب الآثار المترتبة على التأخر في العلاج.
وهناك عوامل كثيرة تتحكم في ضغط العين ولكن أهمها على الاطلاق هو السائل المائي المتكون داخل العين. فالعين تشبه الغرفة المغلقة والسائل المائي يتم افرازه باستمرار من الجسم الهدبي داخل العين ويخرج من العين عن طريق قنوات خاصة في زاوية العين ومنها إلى الدورة الدموية، فعندما يحدث زيادة في تكوين السائل المائي أو اعاقة لخروجه من العين يحدث ارتفاع في ضغط العين، والسبب الأول نادر الحدوث أما السبب الثاني فهو المسؤول الأول عن حدوث ارتفاع ضغط العين.
وضغط العين الطبيعي للإنسان عند قياسه بالأجهزة المخصصة لذلك يتراوح ما بين 12 إلى 21 مليمترا زئبقياً، فعندما يرتفع ضغط العين فوق الحد الأقصى وهذا الحد الأقصى يختلف بشدة من شخص إلى آخر فالضغط الذي يعتبر طبيعياً عند شخص ما قد يعتبر مرضياً عند شخص آخر إذا نتج عنه تأثر لأنسجة العين تبدأ أنسجة العين في المعاناة، وأهم هذه الأنسجة هي شبكية العين والعصب البصري حيث يصابان بالضمور مما يؤدي إلى تأثر النظر.
وللمياه الزرقاء أشكال متعددة، فمنها النوع الحاد الذي يصيب بعض العيون والتي قد يسمح تركيبها التشريحي بحدوث انسداد كلي لزاوية العين، حيث يحدث ارتفاع شديد ومفاجئ في ضغط العين نتيجة لهذا الانسداد مما يترتب عليه عدم خروج السائل المائي من العين. وهذا النوع أكثر شيوعاً عند النساء أكثر من الرجال وحدوثه قبل سن الأربعين نادر جداً. وعندما تحدث نوبة الارتفاع الحاد في ضغط العين، يشعر المريض بصداع وألم في العين شديدين مع هبوط شديد في حدة البصر مع رغبة في القيء، وهذه الحالة تعتبر من الحالات الطارئة حيث تتطلب ادخال المريض إلى المستشفى فوراً واعطاءه علاجاً طارئاً لخفض ضغط العين بسرعة لأن التأخير في العلاج قد يؤدي إلى حدوث تأثر شديد ودائم في حدة البصر قد تصل إلى فقد كامل للبصر إذا لم يتم العلاج في الوقت المناسب، وبعد مرحلة العلاج الأولى يجب استكمال العلاج إما بالليزر وإما عن طريق الجراحة حسب استجابة المريض للعلاج وحالة العين وذلك للمحافظة على ضغط العين عند الحد الطبيعي ولمنع حدوث ارتفاع ضغط العين مرة أخرى.
وهذا النوع من المياه الزرقاء من الممكن تجنب حدوثه، فالمرضى المعرضون للإصابة بهذا النوع من المياه الزرقاء غالباً ما يتعرضون لفترات من ارتفاع مؤقت في ضغط العين قبل حدوث الارتفاع الحاد الشديد، خصوصاً عند القراءة أو مشاهدة المريض التلفزيون في ضوء خافت، فإذا حدث ارتفاع في ضغط العين يلاحظ المريض رؤية هالات ملونة حول مصادر الضوء المختلفة مع زغللة للبصر قد تكون مصحوبة بصداع، وتختفي هذه الأعراض عندما تنتهي مشاهدة التلفزيون أو القراءة، وهؤلاء المرضى وكذلك المرضى الذين تعرضت إحدى عينيهما إلى نوبة ارتفاع حاد في ضغط العين ينصح علاجهم بالليزر لمنع حدوث الانسداد الذي يؤدي إلى نوبة الارتفاع الحاد في ضغط العين.
والنوع الرئيسي الآخر من المياه الزرقاء هو ما يسميه العامة «بأبو سويرق» لأنه يسرق النظر تدريجياً، وهذا النوع هو الأكثر شيوعاً بين أنواع المياه الزرقاء المتعددة، فهو يصيب حوالي 1% من العامة بعد سن الأربعين. وفي هذا النوع يحدث ارتفاع تدريجي في ضغط العين يؤدي إلى حدوث ضمور تدريجي في العصب البصري ينتج عنه حدوث تآكل في مجال البصر وفقد البصر كلياً عند حدوث ضمور كلي في العصب البصري، وخطورة هذا النوع تكمن في انه عادة لا يكون مصحوباً بأعراض شديدة تلفت نظر المريض لاستشارة طبيب العيون كما في النوع الحاد، فالمريض لا يعاني من هبوط في حدة البصر، فكثير من المرضى لديهم حدة نظر طبيعية حتى في المراحل المتأخرة من المرض، كما ان تآكل مجال البصر لا يمكن ملاحظته عند معظم الناس خصوصاً في مراحله الأولى، وكثيراً ما يتم اكتشاف المريض بالمصادفة عند زيارة روتينية لطبيب العيون لفحص النظارة مثلاً، لذلك يجب على المرضى فوق سن الأربعين عمل زيارات دورية لطبيب العيون خصوصا إذا كانوا من المعرضين للإصابة أكثر من غيرهم بهذا المرض كأن يكون أحد أفراد العائلة مصاباً بنفس المرض أو أن يكون المريض مصابا بقصر نظر أو يستعمل أدوية تحتوي على كورتيزون لفترات طويلة كمرضى حساسية الصدر مثلاً أو الأطفال المصابين بحساسية العين أو ما يعرف بالرمد الربيعي، كما ان تشخيص هذا المرض هو من المهام الرئيسية لطبيب العيون، والحمد لله فإن وسائل التشخيص الحديثة مثل اختبارات مجال البصر وقياس سمك الشبكية التي أصبحت تتم بدقة شديدة باستخدام الكمبيوتر مكنت الأطباء من تشخيص المرض في مراحل مبكرة مما حسن بشدة من نتائج العلاج.
كما ان الأدوية الحديثة التي أصبحت اكثر قوة وتأثيراً وكذلك الطرق الجراحية الحديثة نجحت في علاج كثير من الحالات والتي كان علاجها صعباً فيما مضى.
والإصابة بالمياه الزرقاء غير مقصورة على الكبار فقط، فالأطفال وحتى حديثي الولادة يمكن ان يصابوا بالمياه الزرقاء لأسباب متعددة كحدوث عيوب في الجينات او إصابة الأم ببعض الأمراض أثناء الحمل، والعيون المصابة بالمياه الزرقاء في الأطفال يحدث لها تمدد حيث ان صلبة العين في هذه السن تكون نسبياً لينة فيلاحظ الأهل كبر حجم العين لدى الطفل بشكل غير طبيعي وقد يتغير لون العين إلى البياض إذا أدى ارتفاع ضغط العين إلى حدوث عتامات بالقرنية، وقد يكون ارتفاع ضغط العين ليس شديداً بدرجة كافية ليؤدي إلى ظهور الأعراض السابقة مما يزيد من صعوبة التشخيص، ولكن هناك بعض الأعراض الأخرى التي يجب ان تلفت الانتباه كأن يعاني الطفل من حساسية غير طبيعية للضوء العادي فلا يستطيع مثلا ان يفتح عينيه مع هبوط الدموع بغزارة في مواجهة ضوء الحجرة مثلاً.
كل هذه الأعراض يجب ان تلفت نظر الأهل أو طبيب الأطفال فيجب استشارة طبيب العيون فوراً، كما ان الفحص الروتيني للأطفال حديثي الولادة قد يسهم في تشخيص الحالات التي يظهر فيها المرض بعد الولادة مباشرة.
ومرة أخرى فإن الوسائل العلاجية الحديثة ساهمت بشدة في تحسن نتائج العلاج خصوصاً إذا بدأ في مرحلة مبكرة من المرض.
|