Saturday 26th july,2003 11258العدد السبت 26 ,جمادى الاولى 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من الحكم الصُّقَيْهِيّة التي وراء - كم - الخبريّة من الحكم الصُّقَيْهِيّة التي وراء - كم - الخبريّة

الشاعر الكبير عبدالله بن علي بن صقيه التميمي المولود ببلدة الصفرات عام 1356هـ يُعدُّ الشاعر العامي لتميم بلا منازع، وهو يتميز في كثير من أساليبه الشعرية باقتناص المفردات الشعرية التي تدل على عمق ثقافته ومقدرته الفائقة على صنع القصائد ذات النفس الطويل.. فقصائده المطولة أشبه ما تكون بالذهب، كل ما طال مكثه في النار ازداد خلوصاً وصفاء وبريقاً، فلا يفتر له معنى، ولا يتذبذب له أسلوب، ولا تتهالك له عبارة مهما طال وأسهب في بناء القصيدة، ومع هذا فإن له لمسات فنية متقنة في كل غرض يطرقه من اغراض الشعر واتجاهاته، وإن كان للفخر نصيب الأسد منه، ناهيك عن اصطياد الحكمة، والحرص على تضمينها ما وجد لها مكاناً مناسباً في أي قصيدة يصنعها.
- لقد رأيت وأنا استعرض ديوانه ان اتحف القارئ بشيء من الحكم الصقيهية ان صح التعبير، فوقع اختياري على ما بديوانه من حكم جاء بها بعد - كم - الخبرية، فكانت حصيلة اختياري قوله ممتدحاً حكومتنا بإقامة الشرع وتحكيم كتاب الله:


كم واحد بالشرع داروا اكتافه
ملوكنا اللي فيهم الشر والخير

وقوله فيمن يجاهد في الله حق جهاد، ضارباً بذلك مثلاً بالرسل صلوات الله وسلامه عليهم وبالتابعين رضوان الله عليهم:
كم جاهدوا فيها الرسل للملحدين
والتابعين لهم على منوالها
وقوله بأنه لا يستطيع عد انتصارات الجيش السعودي:


كم واحدٍ خلوه بالبيدا طريح
تقري به العرجاء صغير أوغادها

وقوله فيمن يرمي بالتهمة من هو بريء منها، ويزكي من هو مكان التهمة وواقع فيها:


كم من زكي لبسْ العلم الردي
وكم خايب زكي وهو سكار
ومن نفس القصيدة يقول:
كم عاقل يبلى سبايب جاهل
تجرم خيار الناس بالاشرار

وقوله فيمن يكرم لا لأنه مستحقاً الاكرام بفعله، وإنما يكرم اجلالاً وتقديراً لما له من رابطة تربطه بكريم يستحق الاكرام:


كم قاصرٍ يحشم على شان وافي
لو صار لا حاشم ولا محشوم

وقوله من قصيدة أخرى واصفاً اقدام وشجاعة بعضهم:


كم فرقوا ما بين خلٍ وخلٍ
كسيرهم تحتار فيه الجبابير

وقوله فيمن لا تثبت أفعاله أقواله، ومن يخدع صاحبه بمعسول اللفظ في وقت الرخاء، وإذا دعت الحاجة إليه، وتطلبت شدائد الأمور ان يقف مواقفاً حميدة، تخلى عن صاحبه:


كم واحدٍ لأشد كرب تذخره
لي جيت له وقت اللوازم بار
ومن قصيدة أخرى يقول:
كم واحدٍ بالهرج كنه هلالي
والا الفعل ما من فعايل رخيمه

وقوله في ان اجود الناس وأهل الخير يُفتقدون بموتهم، وان الذي لا خير فيه تكون حياته ثقيلة وطويلة على الناس:


كم واحدٍ ما فيه خير مقَيّض
وكم خير منها سريع ترحل
وقوله - مقيض: أي معمر
وهذا يذكرني بقول أحدهم:
لو كان طيب كان ميت من العام
مار الخبيث بقدرة الله ينما
وقوله فيمن يحب إشاعة الخبر السيء ونشره
كم واحدٍ يفرح الى جاك ما جاك
يخبر بما بك واحدٍ ما درى بك
وقوله مفتخراً بما ذكره وراء - كم:
كم سيد ساد الخلايق تميمي
ولنا الردافة لين يوم القيامة

والردافة ان يجلس الملك ويجلس الردف عن يمينه ليشرب قبل الناس ويخلف الملك إذا غزا.
وقوله مفتخراً باقتداره على صناعة الشعر الذي ليس لبعض الشعراء القدرة على قوله:


كم واحدٍ عنه القوافي هواريب
وأنا إلى ناديتهن ريّعن لي
جنى كما سرب النحل له عياسيب
استسلمن لي كلهن واذعن لي

وقوله فيمن يوصف بالضرس الأعلى يأكل ولا يؤكل عليه:


كم واحدٍ في حاجته ما ترديت
إلى بدا لك لازمٍ ما يثيبك

وقوله في ان الأخيار يسعون لفعل الخير، وبالرغم من ذلك فهم يموتون والآلاف من حوائجهم لم يقضوها:


كم خبير ما داس بالعمر زلات
يموت والفي حاجة ما قضاها
وله من قصيدة أخرى:
كم واحدٍ في جرمه الناس تغتر
العقل مامن عقل والجرم ثور
وله ايضاً في هذا المعنى:
كم واحدٍ يوم اللقا ما يواجه
بالهرج عند البيض كنه رعوجي

وقوله في ان الدنيا تخون من يعلق عليها ويُعول على ما هو عليه فيها من حال وتنأى عن التفكير في تقلبات الزمان، فيمضي مع الآمال الطوال غير آبه بتحول الأحوال:


كم نزلت من عاليات المقاصير
من وامنٍ مرغد رمت به فجيعة

وفيما يتعلق بأن الدنيا تقدم المتأخر وتؤخر المتقدم يقول:


كم واحد ارقته شم تعلاها
وامسى بها وامن من كل حراب
والصبح باكر نزل من ما تعلى به
واضحى ضحية هموم وعارضه شاب

ويكرر القول في أكثر من قصيدة بان الدنيا تتخون أهلها، فيقول:


كم واحدٍ غرته دنياه واستكبر
تباً لنفس كثير المال يطغيها
كم عاهدتنا ولكن بالعهد خانت
سياتها أكثر خوينه من حسانيها
كم حلة خربتها تقل ما عمرت
من عقب ما هي يشوقنك مبانيها

وينقل صورة وصف تغير الحال بسبب فعل الدنيا الى فعل الوقت، وهو نفس المعنى اذ يقول في فعل الوقت:


كم غافل غرّه وبيح بسده
وخلاه حاير ضايعات بصايره
ويعود الى ذكر الدنيا وفعلها فيقول:
كم غررت بخبول ناس غريرين
غدا بهم كبر وزود ورهاوي

وقوله في صفة اللئيم، وفيما يدخل من حيث الكناية في قول أحدهم «سباب والعكه يجود وكاها»:


كم واحد ما يعرف الضيف بيته
لسانه على سب الاجاويد ياكله
ومن قصيدة أخرى يقول:
كم واحد وقتنا ما يحصي ما له
من زايد البخل للأبواب طراق

وقوله في الاستناد على من لا يؤمن جانبه والاغترار به:


كم غرير غرته سود الكلاب
استفزت به وصادته النمور
ومن قصيدة اخرى يقول:
كم واحدٍ تحسبه رجال
وهو من المرجلة خالي

وقوله فيما يحاول به تفريغ النفس من المعاناة:


كم راس مرقاب تعليت راسه
من شن على روس المراقيب حادين

وقوله فيمن ينخدع بالأشياء التي لا يكون للتعامل معها مردود يستفيد منه او مصلحة ينتفع بها:


كم غشيم وهقه لمع السراب
وكم غرير وهقه نقع الغدير
ومن قصيدة أخرى يقول:
كم ضارب للمهالك ما درى غدري
صاحي ترى الوقت لولك زان غرار

وقوله فيما قد يرتكبه الناصح في بعض الأحيان من أخطاء تضر إما به او بمن اراد له النصح والموعظة:


كم واحدٍ ناصحه ضره
والحق لو جحد مريود

وقوله في ان الشدة يعقبها الفرج:


كم كربة من سبايبها تضايقنا
تفرجت وانجلت من عند والينا

ومما تقدم نرى ان ابن صقيه قد فتش ب«كم» الخبرية عن كثير من مواطن الضعف والقوة، ومسالك الاحسان والاساءة، وصفات المظهر والمخبر في حياة الناس وسلوكياتهم، وقولب كل معنى في القالب الشعري الذي يليق به من حيث الابداع واصابة الهدف.
أحمد عبدالله الدامغ

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved