تظل هناك مساحات ساخنة في قضايا المرأة تثير كثيراً من الفضول والجاذبية لدى القارئ أياً كان موقعه في السلم الثقافي وذلك في كل مجتمعات الدنيا، ليس للعربي فحسب بل حتى الغربي يجد متعة ثقافية خاصة وهو يقرأ ويبحث عن ثقافة وخصوصية المرأة، ومن القضايا النسائية المعاصرة قضايا العنف ضد المرأة وهي ظاهرة لا يخلو مجتمع من معاناتها وآثارها، حتى مجتمعات الطهر تخفي وراءها أكواماً من العنف المبررة بشكل أو بآخر، في الولايات المتحدة كأنموذج يعشقه الكثير عند الحديث عن سلبيات الحضارة الغربية، لم يكن العنف ضد المرأة ظاهرة اجتماعية ملحوظة وقابلة للتداول الثقافي حتى منتصف السبعينات من القرن المنصرم، حيث خرج كتابان أحدثا هزة كبيرة في إثارة هذه القضية، الكتاب الأول تحت عنوان sisters in crime والآخر بعنوان women and crime الموضوع الرئيس لهذين الكتابين هو أن العنف ضد المرأة وكذلك جرائم المرأة نفسها في الولايات المتحدة زادت كماً ونوعاً في تلك الفترة، وقنبلة أخرى أجمع عليها الكتابان هي أن أحداث عقد الستينات أو عصر نمو الحركات الثورية في العالم وفي أمريكا بشكل خاص ومنها بالطبع حركة تحرير المرأة كانت سبباً رئيساً ومنطقياً للزيادة النوعية والكمية لجرائم المرأة وكذلك العنف الموجه ضدها، طبعاً كانت هذه القضية وحدها كفيلة باشغال واثارة الرأي العام الأمريكي لفترة طويلة، حيث تعرض الكتابان لظاهرة ساخنة وطويلة من قبل أعضاء تلك الحركات وبالأخص حركة تحرير المرأة.
أما في أيامنا هذه فأليسا دلتافو ترصد لنا أرقاماً في كتابها (العنف العائلي) وتركز على ما شهده عام 1994م من أحداث عنف ضد المرأة ومن ذلك: أربعة ملايين واقعة عنف عائلي ضد المرأة، 20% من تلك الحوادث أدت إلى اصابات بليغة، ثلث النساء المعالجات في غرف الاسعاف باستمرار، يُنقلن إليها نتيجة العنف العائلي، 25% من مرضى الاضطرابات النفسية ومحاولات الانتحار هن من ضحايا العنف، 85% ممن يخضعن لبرامج معالجة ظاهرة العنف هن ضحايا العنف العائلي والتقارير من المدن الأخرى تسجل نسباً متشابهة كما تؤكد في كتابها المذكور.
العنف ضد حواء له وجهان وجه حقيقي وملموس وهو أن تكون عرضة لعملية عنف حقيقية، والوجه الآخر وجه نفسي وهي أن تشعر أنها مهددة بالعنف في أي لحظة، الأمر الذي أشاع ظاهرة حمل السلاح للمرأة في الغرب بشكل ملفت، وهنا يبرز كتاب «أنثى ومسلحة» لباكستون كويفلي وهي أمريكية يهودية دربت أكثر من سبعة آلاف امرأة على حمل واستعمال السلاح، ولها برامج تلفازية تندد بالعنف ضد المرأة وتدعو لحماية المرأة بنفسها بعدما فشلت مؤسسات المجتمع عن حمايتها!.
وقد اختصرت تلك الفتاة بسنواتها العشر واقع المرأة الأمريكية كثيرا، وهي تستقرئ مستقبل كثير من بنات جنسها في الولايات المتحدة عندما سألها أحد الباحثين الغربيين في دراسة له: هل كنت تفضلين أن تكوني بنتاً أو ولداً؟ ولماذا؟ فكانت إجابتها «الشيء السيئ عندما أصبح امرأة ناضجة أن أكون عرضة للاغتصاب والقتل، فالمرأة هنا تغتال بسبب حسنها وجمالها» طبعاً هذه الصورة المعتمة ليست هي الصورة الوحيدة للمرأة فهناك وجه آخر للمرأة تعيشه وتحياه وتتمتع به داخل المجتمع الأمريكي وقدلا تستطيع أن تعيش بدونه في مجتمع آخر، لكن الحديث هنا عن إفرازات ظاهرة اجتماعية وأثرها على حياة المرأة هناك.
الحرب أيضا وسيلة قديمة وحديثة لاستغلال العنف ضد المرأة، ففي دراسة غربية أوضحت ان الاغتصاب استعمل كسلاح في الحرب، واستشهدت الدراسة بما حصل في حرب التصفية العرقية ضد المسلمات في البوسنة حيث تم اغتصاب أكثر من 20 ألف امرأة مسلمة هناك على يد الصربيين، وفي إسرائيل كذلك بلد المتناقضات العقدية تنتشر عادة ضرب الأزواج للزوجات كإرث يهودي يمارس بعنف ضد المرأة، فمن كل سبع نساء في المجتمع الإسرائيلي تتعرض واحدة منهن للضرب من قبل زوجها، وفي تقرير لجمعية غربية رصدت أكثر من مائة واثنتي عشرة حالة قتل لزوجات من قبل أزواجهن وذلك في ثمانية أشهر فقط! بمعنى كل يومين تقتل زوجة على يد زوجها في مجتمع يقدر عدد سكانه بأربعة ملايين نسمة!
العنف ليس له لغة وليس له دين وليس له جنس وهو موجود في كل ثقافة، وعبر مراحل التاريخ المتتالية لا تخلو حقبة تاريخية من مظهر من مظاهر العنف ضد المرأة، فليس هناك ثقافة أو حضارة لم تمارس العنف، وإنما وجدت وتوجد وسوف تظل ثقافات متعددة تمارس العنف بأشكاله المتعددة، كل ثقافة تمارسه بطريقتها الخاصة وهكذا يظل قدر حواء في هذه الحياة، أن تموت أو تحيا ولا ينتهي العنف!
تُرى لو أقمنا مرصدا لإبلاغ وتسجيل حالات العنف ضد المرأة في المجتمع هل سوف تستمر الصورة جميلة كما نراها الآن في مجتمعنا؟ أرجو ذلك!
|