قالت: لمثلكَ أنْ يَحُطَّ رِحالاَ
أنَّى يشاءُ، وأنْ ينالَ وِصَالاَ
ولغُصْنِ حبِّك أنْ يمُدَّ ظِلالَه
ولنَبْعِ حُبَّك أنْ يكونَ زُلالاَ
ولنار شوقكَ أنْ تلذِّع مُهْجَةً
جعلتْكَ عند المُدْنَفينَ مثالاَ
لكَ أنْ تغرِّد بالقصائد، كلَّما
جرَّ الصباحُ رداءَه واختالاَ
لكَ أنْ تَهُزَّ غصونَ شعرك، كلَّما
زفَّ المساءُ إلى الوجودِ هِلاَلاَ
لكَ أنْ تبوح بما لديكَ، فإنني
أعطيكَ من بعد المجالِ مَجَالاَ
هَبْني رحلتُ إليكَ رِحْلَةَ مُدْنَفٍ
وقصدتُ من بعد الجنوبِ شمالاَ
ومضيتُ أجتاز الحواجزَ كلَّها
وقطعتُ من بعد الجبالِ جبالاَ
أو سِرْتُ من شرق البلاد لغربها
وطويتُ أوديةً بها وتِلالاَ
هَبْني تجاوزتُ الهضابَ وخُضْتُ في
لُجَجِ السَّراب على الطريق رمالاَ
وجعلتُ صحراءَ المتاعب واحةً
أغصانُها نشرتْ عليَّ ظِلالاَ
هَبْني طويتُ الهمَّ بين جوانحي
وبَنيْتُ فوقَ رُكامِه الآمالا
هَبْني اتَّخذْتُ من القصائد سُلَّماً
أرقى به قِمَمَاً هناكَ طِوالاَ
هَبْني نظرتٍُ إلى سمائي نظرةً
وسألتُ عنكَ الصَّيِّبَ الهطَّالاَ
وسألتُ هبَّاتِ الرِّياح عن اسمها
عن صوتها المكتومِ حينَ تَعَالَى
وسألتُها من أينَ تبدأ ُسيرَها
وبأيِّ كفّ تحمل الأثقالاَ
أَتراكَ تَعْذُلُني، إذا أَصبحتُ في
وَضَح النَّهار أعانقُ الأطلالاَ؟
وإذا قَصَصْتُ ضفائري وجعلتُها
للخائفاتِ من المحيط حِبالاَ؟
أتُراكَ تَعذلني، إذا سيَّرْتُ في
بحر القوافي مركباً جوَّالاَ؟
وبه مضيتُ إلى الشواطئ حاملاً
عَلَمَ الإباءِ أُحاربُ الأنْذالاَ؟
شكراً محدِّثتي، فإني لم أزلْ
ألقاكِ حُسْناً آسراً وجمالاَ
وأراكِ في عين القصيدةِ صورةً
كاد الجمَالُ بها ينال كَمَالاَ
لا تَطْلُبي مني المُحَالَ، فإنَّما
غيري وغيركِ يطلبونَ مُحالاَ
أنا لستُ خِلْواً من همومي، إنَّها
قد أمطرتْ قلبيْ المُحِبَّ نِبَالاَ
أنا شاعرٌ ما زال يبكي أمةً
حَفِيتْ، تُلاحقُ بالهوى الدَّجَّالاَ
عُذْراً إذا هَطَلَتْ دموع قصائدي
تبكي انشغال القومِ والإهمالاَ
تبكي، بكاءَ الشَّهْمِ يُبْصِرُ قومَه
يستعذبون القَهْرَ والإذْلالاَ
تبكي على أمجاد أُمتنا التي
لَعِبَ العدوُّ بها وصالَ وجالاَ
عذراً محدِّثتي فَرَوْضي لا يرَى
بحراً ولا نَهْراً ولا شلاَّلاَ
لمَّا سألتُ الشِّعْرَ عنكِ، رأيتُه
أرْخَى رُموشَ المقلتينِ وقالاَ:
أنا لا أرى إلا التي سكبَتْ على
وَهَج القصيدةِ دمعَها السيَّالاَ
لما نثرتُ لها حديثَ صبابتي
أصغتْ ولم تُفْسِدْ عليَّ مقالاَ
فَهِيَ التي جعلتْ لبحريَ شاطئاً
وَهِيَ التي أَضْفَتْ عليه جَلالاَ
قالتْ، وما كَذَبَتْ، وكم من قائلٍ
كَدَبَ الحديثَ وزيَّفَ الأقوالا:
رفقاً بقلبكَ يا مُحبُّ، فربَّما
صارتْ تباريحُ الهوى أغلالاَ
ما كلُّ بارقةٍ تراها، نَجْمَةً
أو كلُّ عُرْجُونٍ يُضيء، هِلالاَ
للمجد قمَّتُه التي لا يرتقي
شُرُفاتِها مَنْ عانقَ الأوْحالا