الأمة الإسلامية محاربة على مر التاريخ لأنها ليست كغيرها من الأمم بسبب ما كلفها الله به من مهام كبيرة وعظيمة. فهي {خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ} [آل عمران: 110]، والإسلام هو الرسالة الخالدة وهو الدين القويم والمنتصر قال تعالى {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)
كما يؤكد لنا التاريخ أن الأمة الإسلامية قد تعاقب عليها أمراض شتى، على مدار تاريخنا الحافل بالأحداث الجسام.
ولكن كل ما يمر من أحداث لا يزيد هذا الدين إلا رسوخاً وثباتاً وقوة كما لا يزيد مجتمعه إلا اجتماعاً والتحاماً مهما تكالب عليها الأعداء أو تآمروا ضده ولعل تاريخنا الحاضر لا يعرف من بين الدول من قام على نصرة الإسلام وجمع كلمة المسلمين ووحدة الصف مثل ما فعل قادة هذه البلاد الطاهرة المملكة العربية السعودية فقد بذلوا، وفقهم الله، بكل ما يملكون من قوة لنشر الإسلام في أنحاء المعمورة والدعوة إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة وهو ما شهد به الأعداء قبل الأصدقاء.
وظهرت آثاره لدى غير المسلمين فضلاً عن المسلمين أنفسهم رغم ما يواجهه المسلمون بدينهم وعقيدتهم من تفكك وما يكيده لهم أعداؤهم من مكائد يرتكز على تشويه الإسلام ونشر الكثير من المبادئ الهدامة والأفكار المعادية للإسلام في نفوس أبنائه، واتخاذ الكثير من الأعوان واستمالتهم ليكونوا عوناً لهذا الضلال كما يركز على صرف المسلمين عن قول الحق تبارك وتعالى «القرآن الكريم» الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من عزيز حكيم وعن سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم التي هي نبراس هذه الأمة ومشعلها الوضاء لصرفهم عما حواه من توجيهات سامية وحكم فاضلة. ولذا أصبح من الضرورات الملحة العمل بخطى حثيثة، كل في موقعه من مسئولين وطلبة علم ومعلمين ومفكرين للتنسيق والتشاور والتوجيه والإرشاد والمتابعة الجادة للشباب، وإبداء النصح لهم والمشورة وتوجيههم إلى ما فيه صلاح دينهم ومجتمعهم وأمتهم كما على هؤلاء بما فيهم الهيئات الإسلامية والمؤسسات العاملة في مجال الدعوة بعمل خطط وبرامج تبين أهداف الإسلام للشعوب كافة وللإنسانية وبيان ما يكيده أعداء الإسلام من مكائد. وما يتخذونه من أساليب منحرفة للسير في دروب ضالة مع دحض أي شبيهة يثيرها أعداء الإسلام، وتجلبه أي صورة قاتمة عن هذا الدين مما تبثه أصحاب النفوس الحاقدة والمريضة ضد المسلمين من محاولة لبث الفرقة وإيجاد العوائق لاجتماع كلمة المسلمين وتوحيد صفهم. كما على الهيئات والمؤسسات الإسلامية وطلبة العلم تجلية أي حدث وايضاح ما وراءه والمقصد منه.
كما أن علينا كمسلمين، ويتحتم أكثر على من تقع عليهم المسئولية من علماء ومفكرين إيضاح صورة الإسلام ناصعة وجليه. والعمل على تقوية الرابطة وقوله تعالى {وّلّوً كٍنتّ فّظَْا غّلٌيظّ القّلًبٌ لانفّضٍَوا مٌنً حّوًلٌكّ} *آل عمران: 159* .
مع إدخال السرور والسعادة في قلوب أبناء المسلمين، وإيضاح ما لديهم من تساؤلات ولذا فإن الإسلام يقرر أن العابد الذي لا يتعلم من عبادته كيف يشارك في إسعاد الناس. وكيف يلتزم بالخير في سلوكه معهم. إنما هو عابد كذاب.
إن على علماء العصر مسئولية كبيرة لتوجيه المجتمع بكامله بما فيه صلاح الأمة والسبيل إلى سعادتهم بالدنيا والآخرة. فعصر الإسلام الأول طبقت فيه جميع مبادئ الإسلام السمحة من التعاون والتآلف وجمع الكلمة ونشر الخير والتعاون على البر والإحسان وجلب المصالح للمسلمين مما أصبح معه مجتمعاً قوياً مرهوب الجانب أقلق أعداءه وأنكى مضاجعهم.
فأصبح أعداء الإسلام يخططون من أجل انهياره ومن ضمن ذلك الإرهاب الذي فيه التخريب والتدمير والتشتيت.
وهي ظاهرة اجتاحت الكثير من بلدان العالم بصورة ملفتة للنظر اتخذت أشكالاً متعددة من العنف من تخريب وترويع وتدمير. إضافة إلى إرهاب فكري وعقائدي. وهو بلاشك سلوك شاذ ترفضه تعاليم الإسلام السمحة.
كما لا يقره أي مجتمع يراقب الله ويخشى عقابه.
وقد لاقى أنبياء الله، وصفوته من خلفه أنواعا مختلفة من الإرهاب والتهديد لقمع رسالتهم السماوية.
وقد منح الله سبحانه وتعالى هذا التوجيه بما يقضي لوجوب الحفاظ على حرمات الدماء والأموال والأعراض، فلا يجوز لامرئ أن ينتهك شيئاً منها.
* مما يدل على حرمة النفس المعصومة وعظم حقها عند الله.
وما هذا الزجر والعقوبة للمعتدين الا حفاظا على المجتمع المسلم من أن يقع فريسة العبث والجريمة، سواء كان من فرد أو مجموعة وسواء كان منظماً بالتآمر على الأمن والاستقرار وترويع الآمنين أو بدون تنظيم.
لا شك أن أعداء الإسلام الحاقدين يخططون لإنهاك المسلمين، وتفريق كلمتهم للقضاء على الدين وتفريق كلمة المسلمين بدفع الجهلة والبسطاء المنتسبين للإسلام، ليتخذوا الدين وسيلة لتحقيق مآربهم وتنفيذ مخططاتهم لما يضمرونه من كراهية له.
كما يتخذون الإرهاب سبيلاً لإثارة الذعر وتمزيق صف المسلمين وتشويه سمعة الإسلام واستخدام مختلف الوسائل لترويع أفراد المجتمع الآمنين في بلادهم.
وهذا مما خطط له أعداء الإسلام وأعداء البشرية بنشر المبادىء الهدامة، وتشجيع الجماعات المختلفة الاتجاهات والتوجهات لتكون عامل فتنة وكفر.
ونستنتج من هذه الأحداث والمكائد أنه أصبح لزاماً علينا الوقوف بحزم ضد ظاهرة العنف والاعتداء ومواجهتها بدراسة عميقة وتخطيط علمي مدروس. وأهمها تقوية الوازع الديني لدى الناشئة وجعل كتاب الله الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم وسيرته وحسن تعامله هو المثل الأعلى وهو السبيل للنجاة من كل فكر دخيل بحيث ينشأ الفرد قوياً معتزاً بدينه متمسكاً بآدابه الفاضلة.
ولا يجعل للأفكار والمبادئ الشاذة سبيلاً لزعزعته أو تردده عن دين الإسلام وسماحته.
وانظر إلى سماحة الإسلام في وصية الرسول صلى الله عليه وسلم إلى جنوده حين أرسلهم للقتال «انطلقوا باسم الله وبالله. وعلى ملة رسول الله ولا تقتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة ولا تغلوا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين».
وسار على نهجه صحابته وخلفاؤه الراشدون.
فقد حدث في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه. عندما بعث الجيوش لفتح الشام تحت قيادة أسامة بن زيد أن أمر جنوده أن يتجنبوا المخادعة ونقض العهود والتمثيل بأحد وأوصاهم بعدم قتل الأطفال والشيوخ ونهاهم أن يقطعوا شجراً أو يحرقوه وأن لا يذبحوا شاة أو بقرة إلا لسد غائلة الجوع. وقال لهم إنكم ستجدون رهباناً يتعبدون في أديرتهم فاتركوهم وشأنهم وإياكم أن تمسوهم بسوء.
وسار على هذا النهج الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وقصصهم مشهورة مدونة في كتب التاريخ.
وقد ذكر أنه كان يشتشير المقوقس عظيم القبط في مصر فيما يتعلق بأمورها.
كما أورد ابن جرير الطبري في تاريخه أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه. بعد أن فتح الشام أمَّن أهل إيلياء على أموالهم وأنفسهم وكنائسهم وأعطاهم عهداً على ذلك.
وشهد عليه خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف ومعاوية بن أبي سفيان.
فيجب على من يتبجح بتشويه الإسلام أن يعرف أن الإسلام دين لا يعرف التعصب ولا يقبل الظلم ولا الاضطهاد بل لا يعرف سوى السماحة والمساواة وكان يعطي لكلّ حقه.
وهذا التسامح والتعامل بالحسنى هو السبب في انتشار الإسلام، ودخول الناس في دينه أفواجا، عن حب ورضا وليس عن إكراه ورهبه.
إن على الأسرة، والمدرسة والمجتمع بكامله، مسؤولية كل في مجال تخصصه إيضاح تاريخ الإسلام الناصع الذي جاء به محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم وانتشرفي فترة محدودة انضم له جميع من وصلته هذه الرسالة. والاهتمام والتوعية والتوجيه، للناشئة للقضاء على كل ما هو دخيل على ديننا ومجتمعنا، بأن تشكل مجالس تهتم بتوعية الشباب وتوجيههم ومعرفة همومهم وتطلعاتهم، والوقاية من كل ما يثيره الحاقدون والحاسدون والقضاء على كل ما فيه ضرر لهذه الفئة سواء في دينهم، أو عقيدتهم، أو ما فيه مصلحة دنياهم.
ويضم هذا المجلس ممثلين من كافة القطاعات التي لها علاقة مباشرة للوقاية من ظاهرة الارهاب والجريمة، مع أهمية اشتراك رابطة العالم الإسلامي، وتكون هذه اللجنة أو المؤسسة مرجعاً للشباب، فيما يشكل عليهم أو يؤرقهم، مع تبادل الأفكار والخبرات فيما بينهم ووضع برامج مدروسة، ذات أثر فاعل، لتحقيق مبادئ الوحدة والتعاون والتكاتف بما فيه خدمة الدين والوطن، لأن الهدف واحد والضرر مشترك.
مع الاهتمام أكثر بعنصر الشباب من طلاب الجامعات وتثقيفهم ثقافة إسلامية ترتكز على أسس الوحدة والتضامن واجتناب الاختلاف والتمزق، لأن الاختلاف مرض خطير وشر مستطير، وشرع الله المحكم نجد أنه ما اهتم بشيء بعد توحيد الله ونبذ الإشراك به سبحانه، مثل اهتمامه بجمع الكلمة ولمّ الشمل ونبذ التفرق.
وقد أرجع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أسباب الاختلاف إلى سببين هما: الجهل، والظلم. وهذا بلا شك اختلاف مذموم، من الطرفين، يكون سببه تارة قلة الوعي والإدراك فيستغل هذا الجهل من أناس حاقدين، ليتحقق به مطلبهم كما يكون سببه أيضاً فساد النية، من بعض النفوس الخبيثة المجبولة على الحقد والحسد، ومحبة الإفساد في الأرض، وقد يأتي من باب التعصب للآراء والأشخاص وقد يأتي من باب الجهل والتقليد الأعمى كما أسلفنا والجهل أصل كل شر.
وقد تكون جميع هذه العوامل، موجودة فكان من جراء ذلك اشتغال البعض بمحاربة المكروهات والشبهات أكثر مما اشتغلوا بحرب المحرمات، فأغفلوا الكبائر وانشغلوا بالصغائر.
وعلى المجتمع المؤمن المخلص الاتفاق في القضايا الكبرى والقواعد الأساسية.
أما الأمور الفرعية، التي الاختلاف فيها يرمي نحو الأفضل فلا تكون هي السبب في التفرق، بشرط الاخلاص، وقصد الحق والتجرد من الأهواء.
فكثيراً ما تكون الخلافات بين الأفراد والجماعات ظاهرها البحث في المسائل العلمية بينما باطنها حب الذات واتباع الهوى الذي يعمي ويصم، وفي الحديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة هم أهل الرياء والكذب.
والمسلم الحق هو الذي يكون عبداً لله لا عبداً لهواه.
وأخيراً نختم الكلام بقول الشافعي رحمه الله: «رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب».
وهذا من سعة علمه وعقله واتساع صدره لأي خلاف. كما نؤكد على منهج سماحة الشيخين عبدالعزيز بن باز ومحمد بن عثيمين - رحمهما الله - اللذين يعتبران قدوة مثلى في سلامة الصدر وحسن التوجيه ولهما الفضل بعد الله في اجتماع كلمة المسلمين، وفي علمائنا الأفاضل ممن نذروا أنفسهم لتوجيه المسلمين وتوعيتهم عبر وسائل الإعلام المختلفة فكان لهم الفضل في انتشار دعوة الإسلام وتوعية المسلمين لما فيه صلاحهم.
نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين وأن يوفق علماءنا للخير وأن يصلح شبابنا ويهديهم الطريق المستقيم وصلى الله على محمد وآله وصحبه أجمعين.
* المستشار بإدارة التربية والتعليم بمحافظة الزلفي
|