إن نعمة الأمن التي نعيشها يفتقدها كثير من المسلمين وغيرهم في جميع الأزمان والأوطان في كل الأعصار والأمصار وهذا لا يحتاج إلى أدلة وبراهين فمن له أدنى مشاركة في كتب التأريخ يظهر له هذا الأمر جلياً، ومن رحمة الله بهذه البلاد ان قيّض لها علماء عاملين وأمراء عادلين، الأمر الذي جعل الناس يعيشون في رغدٍ من العيش وبلهنية، لا يحس أحد بالذعر والخوف إلا من ارتكب ذنباً أو تعدّ حدّاً، ذلك انه يعرف أنا في طريقة سيف مسلول سوف يردعه إن هو حاد يمنة أو يسرة.
ولقد عشنا على هذه الحالة ردحاً من الوقت وحقبة من الزمن، الولاة مسموعة كلماتهم، والعلماء محترمة أقوالهم أدام الله علينا توابع نعمه، وقرائن آلائه حتى جاء فئة من أناسٌ قد سقمت ضمائرهم، ودويت قلوبهم، احتوت عليهم الجهالة فصدتهم عن طريق السعادة جعلهم الأعداء أصحاب المآرب الخبيثة سبباً إلى حاجتهم وذريعة إلى بغيتهم من خلالهم جام غضبهم وحقدهم وغلهم على علماء هذه البلاد وحكامها ومن يعيش في كنفها.
كلما قلمت أظفار الفتنة، وطمست معالمها جاء أولئك وهم أبواق لغيرهم ممن يعيش خارج هذه البلاد فأثاروا الفتنة وحلوا عقالها لقد جاؤوا بالكذب والزور، فزخرفوا الكذب وزوروه، وموهوه ونمقوه حتى صدقه البسطاء والدهماء ممن لا بصيرة تنورهم ولا علم يحصنهم.
وهؤلاء ومن لف لفهم شغلهم الشاغل تتبع الهفوات والزلات مشنشنين عليها جاعلين من الحبة قبة ومن الصغيرة كبيرة وهم مع ذلك معرضون عن الحسنات وهم ضاربون بها عرض الحائط، ومعرضون عن المساجد التي تقام بها الصلوات والمحاضرات والندوات في كل الأوقات ومعرضون عن مراكز الهيئات، ومعرضون عن مراكز الدعوة والإرشاد في كل بلد ومعرضون عن الحرمين الشريفين وما فُعل ويفعل فيهما ومعرضون عن خدمة الحجيج كل سنة من دون كلل وملل، ومعرضون عن خدمة كتاب الله وتوزيعه في جميع أنحاء العالم حتى شرق وغرب، ومعرضون عن تطبيق شرع الله وإقامة الحدود، ومعرضون عن نعمة التوحيد وكفى والله بها من نعمة، وهم معرضون معرضون..؟! ولكن ...
وعين الرضى عن كل عيب كليلةِ
كما أن عين السخط تبدي المساويا
|
أنا لا أعتب ان ينكر الجميل رجل من خارج هذه البلاد وإن كان لي العتب، وقد نعذره، فكل صاحب نعمة محسود، ولكنني أعتب ثم أعجب أن يكون أولئك من أبناء تربوا على أكتاف هذه البلاد وهي التي وطأت لهم الأماكن المرموقة وهي لا تعتبرهم إلا عروقاً ليدها لو تقطعت لسال دمها ولكن نعوذ بالله من الابن العاق.
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة
على المرء من وقع الحسام المهند
هذا هو جزاء اليد التي ما فتئت تمد لكم يد العون، هل من الشيم والقيم مقابلة الحسنة بالسيئة؟ ومقابلة الإحسان بالجحود والنكران؟ ولكن هؤلاء يصدق فيهم قول الشاعر:
أعلمه الرماية كل يومٍ
فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظمن القوافي
فلما قال قافيةً هجاني
|
إن الذين انبهروا لهذه المزالق الخطيرة والزلات الجسيمة من تكفير وتفجير وتخويف وترويع هم أناس لا خُلُق عندهم ولا فضل لهم ولا عرفوا بعلم ولا بثني ركب عند علماء شباب طائش ما طرّت شواربهم وما استوت لحاهم، جهلة استبدلوا العمى من الرشد، والذل من العز، والنقمة من النعمة، اختاروا الخوف من الأمن والوحشة من الأنس. لقد جنوا على أنفسهم وحطبوا على ظهورهم، لقد خنقوا أنفسهم بأوتارهم «ولا يحزنك دمٌ أراقه أهله».
إذا علم هذا يا أهل العقيدة وحماة الحرمين بأننا محسودون مستهدفون على كل نعمة نرفل فيها، فيجب علينا إذا جاء حاقدٌ فبرى القلم وذرب اللسان فجاء بالمين والبهتان فلا نغتر به حتى وإن تلبس بلباس الدين والدعوة إلى الله حتى نعرض قوله على العلماء الأجلاء وطلبة العلم النبلاء الذين شابت لحاهم وابيضت عوارضهم في الطلب، سخروا عقولهم ووظفوا أوقاتهم في البحث والتصنيف والإرشاد والتأليف فهم الذين يسبرون أغواره وينظرون إلى أبعاده ومراميه فهم نورٌ يستضاء به ونجوم يهتدى بها، فيجب أن نأتم بهم ونتحلى بحليتهم نسمع كلامهم ونحترم أقوالهم نذب عن أعراضهم، نثني الركب في حلقاتهم.
ثم اعلموا أيها الحساد أن كلامكم في علمائنا وتجريحكم لهم ما زادنا إلا محبة لذواتهم وثقة في أقوالهم وثلبكم في حكامنا لن يزيدنا الا طاعة وسماعاً فلسنا بتلك السطحية التي تتوقعون لقد تبين الصبح لذي عينين، ولقد أبدت الرغوة عن الصريح، لقد أظهر الله ضمائركم ومخبّآت صدوركم، لقد ضعضع الله أركانكم وأطاش سهامكم، لقد بعدت نواكم وانشقت عصاكم يا من تحاربون أهل الإسلام والإيمان وتتركون أهل الشرك والأوثان.
|