يا سيدي الانسان.. انت الحقيقة التي ما بعدها حقيقة في هذا الوجود.. انت الانسان بطيبتك ورقتك.. بقسوتك ووحشيتك.. أنت الانسان الذي اصبح ممزقاً باهتاً.. وهذه دعوى مني اليك يا سيدي.. فانظر الى حقيقتي لتعرف من انا.. انظر ولكن لا تنظر الى وجهي فوجهي ليس مني..
فأنا حقيقة ولست وجهاً اجوف لست جسداً فانياً لا يدوم لست شمعة باهتة.. أو وردة دائمة الذبول.. انا يا سيدي.. عاطفة فياضة.. انا مشاعر وأحاسيس ولست مظهراً.. فإذا أردت ان تعرفني ميز مشاعري، تعرف خبا نفسي وتعرف من أنا.. انظر يا سيدي الى عيني العشوائية وادخل في اعماقها الى ما وراء هذا الماء الساخن الذي يسيل منها..
اخترق بنظراتك لتصل الى الداخل ولا تجعل نظراتك تتوقف على جدار مظهري فقط، لا تنظر الى التجويف اذا أردت ان تعرف الانسان ومدى انسانيته.. آه يا سيدي الانسان.. أنا بشر وأنت بشر والجميع بشر لأن الجميع يحملون وجوهاً خلقها الله مع أن المنافقين قيل انهم يحملون وجهين احدهما خفي.. كل البشر يحملون عينين اثنتين رغم ان بعضهم فقد نعمة البصر ولم يعد يرى النور كل البشر يسيرون على قدمين اثنين لم يخلق الله لهما ثالثة.. هكذا هم البشر يا سيدي.. ولكن هل تعتقد أن كل هؤلاء يتصفون بالانسانية.. هل تعتقد ان كل هؤلاء يتحلون بالاخلاق الفاضلة.. لا يا سيدي فلو كان الجميع كذلك لما كانت هناك حروب.. لما تشرد لنا اخوة من الدين والدم.. لما اصبحوا لاجئين دون مأوى. لو أن كل البشر يحملون معنى الانسانية لما اشتعلت الحروب في «فيتنام» و«كوبا» و«كوريا» لو أن الناس يحملون معنى الانسانية لما تيتم الاطفال.. لما تشرد الشبان وعاشوا على «هامش» الحياة.. لما رأيت نظرة التيه والحيرة تشع من العيون الجميلة ونظرة التيه يا سيدي الانسان ليس الا من اضطراب عم هذا العالم القذر فأصبح الناس أشباح شوارع «سوهو» هذا التيه ليس الا من معارك اشتعلت واشعلت الحقد في النفوس الطيبة.. الفيلسوف الراحل «برتراند رسل» عاش من اجل السلام العالمي..
دافع من اجله طوال أكثر من سبعين عاماً.. اتخذ السلام مبدأ يسعي اليه والى تحقيقه.
|