* الرياض - حازم الشرقاوي:
حصل الباحث السعودي أحمد محمد الرشيد السليم على أول رسالة دكتوراة تحت عنوان عمارة معالجات ديناميكية التبديل للجيل الثالث «والأجيال المستقبلية» من أنظمة الجوال وجاء في مقدمة الرسالة أن أنظمة الاتصالات تتقدم بشكل سريع جداً، ويرافق هذا التقدم ظهور مجموعة من الخدمات التقنية المتقدمة وعلى الأخص أنظمة الجوال والتي سوف تشهد تحولاً كبيراً خلال السنوات القليلة القادمة، فلقد سعى الاتحاد العالمي للاتصالات خلال السنوات الخمس الماضية إلى التوصل إلى مواصفات قياسية موحدة عالمياً لنظام جوال ذي مواصفات تقنية متقدمة، هذه المواصفات يمكن اجمالها في الشعار «الاتصال في أي وقت وأي مكان وأي زمان»، ويعرف هذا النظام الموحد حالياً بالجيل الثالث من أنظمة الجوال.
وقد دخلت مراحله التجريبية في اليابان في نهاية عام 2002م، وتم اطلاقه منذ بداية العام في أوروبا، والجيل الثالث من الجوال يقدم بيانات ذات معدلات عالية السرعة، والتي يمكن الاستفادة منها في تقديم خدمات غير مسبوقة في الانترنت والوسائط المتعددة، وان ظهور هذا الجيل بهذه المواصفات يعد تحدياً كبيراً لقدرات وامكانيات الأجهزة الجوالة المحمولة، فالأمثلة على الخدمات التي يجب أن يدعمها النظام كثيرة وترتكز في مجملها على نقل البيانات بسرعات عالية، وما دام أن النظام يقدم وسائط نقل عالية السرعة للبيانات فإنه لا بد أن تظهر خدمات أخرى غير معروفة لنا حالياً.
ورصدت الدراسة عدداً من التحديات التي تواجه مصنعي الأجهزة الجوالة المحمولة تتلخص في عدة نقاط:
* دعم الخدمات الحالية والخدمات التي سوف تظهر لاحقاً.
* دعم الأنظمة الحالية من الجوال وأنظمة الجيل الثالث.
* توفير المرونة اللازمة لتحديث أنظمة التشغيل.
* التوفير في استهلاك الطاقة مما يطيل زمن استخدام الجهاز.
* تقديم الجهاز بنفس الحجم الصغير المستخدم حالياً.
* تقديم الجهاز بأسعار منافسة.
وأوضحت الرسالة أن التحديات الثلاثة الأولى تنبع من حقيقة أن ظهور الجيل الثالث سوف يتزامن مع وجود الأجيال السابقة، لذلك يلزم أن يكون لدى الجهاز القدرة على دعم الأنظمة السابقة واللاحقة، ثم أيضاً إن ظهور الجيل الثالث سوف يرافقه ظهور كثير من الخدمات التي لا يمكن التنبؤ بها مسبقاً لذلك لا بد أن يكون الجهاز مصمماً ليدعم الخدمات الجديدة أو أن يكون لديه القابلية لتحديث نظام التشغيل لكي يدعم الخدمات الجيدة.
وكلما زادت الخدمات المقدمة من النظام تنوعاً وتعقدياً كلما كان جهاز الجوال التقليدي عاجزاً عن الوفاء بالمستوى المطلوب من ناحية الأداء والمرونة، والمرونة يمكن تعريفها بأنها قدرة جهاز الجوال على تقديم الدعم اللازم بيسر وسهولة لأكثر من خدمة متوفرة حاضراً اضافة إلى امكانية تقديم الدعم لأي خدمة جديدة تضاف إلى نظام الجوال مستقبلاً.
المرونة تختلف عن الملائمة، فالملائمة يمكن تعريفها بأنها قدرة الجوال على دعم كل نظام جديد حال الدخول فيه، مثلاً عند الانتقال من نظام GSM العالمي إلى نظام IS-95 يستطيع الجوال أن يتكيف آلياً مع النظام الجديد دون أدنى تدخل من المستخدم.
ولتوضيح أهمية المرونة، فلنأخذ مثلاً أجهزة الجوال الحالية والتي صممت أصلاً لتقديم دعم لخدمة الاتصال الهاتفي وكذلك دعم لتراسل البيانات بسرعات متدنية، لقد واجهت تلك الأجهزة صعوبة في دعم خدمات أخرى ظهرت لاحقاً كخدمة تطبيقات الانترنت المحمولة WAP والذي استوجب اجراء بعض التعديلات على البنية الأساسية لتلك الأجهزة.
أي أنه إذا توفر في جهاز الجوال المرونة والملائمة فإنه في حال ابتكار خدمة جديدة أو نظام جديد بالكامل فإن المطلوب من المستخدم هو فقط تحميل برنامج أعد سابقاً إلى جهازه لدعم ذلك النظام الجديد، كما أنه من الممكن تحميل البرنامج إلى الجهاز آلياً من خلال النظام، أما التحديات الثلاثة الأخيرة فهي عبارة عن الشروط اللازمة في أجهزة الجوال لكي يقبل عليها المستخدم، وان ازدياد عدد ونوعية الخدمات المقدمة من الجيل الثالث من أنظمة الجوال وكذلك صعوبة التنبؤ بالخدمات التي يمكن أن تبتكر أو تطور لاحقاً، يجعل من تصميم الجوال أمراً في غاية الصعوبة.
إن الأسلوب المتبع حالياً في تصميم الوحدات الداخلية في الجوال تعتمد على المعالجات العامة من نوع «معالجات الاشارات الرقمية» أي بمعنى آخر تعتمد على معالج وحيد مركزي يقوم باجراء الأوامر اللازمة لتنفيذ الخدمات المتاحة، في الأجهزة الحالية التي تدعم أنظمة الجيل الثاني تقتصر هذه الخدمات على الصوت والرسائل النصية القصيرة وخدمات البيانات ذات السرعة المحدودة مثل الفاكس، إن المعالجات العامة ستكون عاجزة عن تنفيذ الخدمات المرتكزة على البيانات عالية السرعة، وسبب العجز يعود لكونها «أي المعالجات» تحتاج أن تعمل عند سرعات عالية ممايعني هدراً للطاقة المحدودة في الجهاز.
لحل هذه المعضلة فإنه عادة ما يلجأ إلى استخدام الرقائق الالكترونية المتخصصة، وهي الرقائق أو الشرائح المصممة لوظيفة أو خدمة معينة، ومع كون ذلك الأسلوب ناجحاً في تقديم الخدمات المطلوبة بالكفاءة العالية إلا أنه يعاني من عدم وجود المرونة اللازمة في حال ظهور خدمات جديدة، من ناحية ومن ناحية أخرى لا بد أن يحتوي الجوال على شرائح الكترونية متعددة لدعم كل الخدمات المقدمة والتي قد لا تستخدم جميعها من قبل المستخدم في نفس الوقت أو على الاطلاق، وبالنهاية تصبح تلك الشرائح الاكترونية كلفة زائدة ترفع من سعر الجهاز دون مردود اقتصادي، ومن ناحية أخرى تزيد تلك الشرائح من استهلاك الطاقة في الجهاز مما يؤدي إلى تقصير عمر البطارية والذي يعد عنصراً أساسياً عند اختيار المستهلك لجهاز الجوال، وكما يحتاج هذا الأسلوب إلى مساحة كبيرة لوضع كل تلك الرقائق في الجهاز مما يؤدي إلى كبر حجم الجهاز في النهاية، ان الأسلوب المقترح والمثالي لتجاوز هذه العقبات في تصميم الأجهزة المستقبلية وهو أيضاً في نفس الوقت الحل الأنسب لتوفير المرونة والحجم والطاقة هو استخدام الرقائق المبنية بتقنية المعالجات القابلة للتبديل، وتعتمد نظرية المعالجات القابلة للتبديل على أسلوب الدوائر القابلة للبرمجة، أي الدوائر التي تؤدي وظائف مختلفة بحسب النبضات «الجديرات» المخزنة بها، فكلما تغيرت النبضات المخزنة تغيرت الوظيفة التي تؤديها الدائرة، مشابهة تماماً أسلوب عمل البرامج الحاسوبية، ومن خلال تقنية المعالجات القابلة للتبديل يمكن لنا الجمع بين مرونة الحاسبات العامة وبين كفائة الرقائق المتخصصة.
لقد تم في رسالة الدكتوراه هذه أولاً: الاستيعاب الكامل لمواصفات الجيل الثالث من الجوال «وخاصة مواصفات WCDMA» والتي تم نشرها من قبل مشروع المشاركة للجيل الثالث «www.3gpp.org» ومن ثم البحث عن الوظائف الأساسية التي يجب تنفيذها من قبل أجهزة الجوال والتي تتطلب عند تنفيذها معالجات ذات كفاءة عالية.
بعد ذلك تم تصميم وحدة معالجة متكاملة لجوال من الجيل الثالث باستخدام الحاسب وبلغة برمجة «VHDL» والتي تستخدم في وصف ومحاكاة الرقائق الالكترونية، الخطوة التي تمت بعد ذلك كانت استنباط الخصائص التفصيلية لأسلوب عمل الوحدة المركزية في الجوال، ومن ثم تم من خلال هذه التفاصيل تصميم وبناء معالج قابل للتبديل «وقد سمي DRAW» لاجراء العمليات المطلوبة في الجهاز الجوال، وتم بناء المعالج في جهاز الحاسب باستخدام نفس لغة البرمجة المتقدمة، وبعد مرحلة طويلة ومكثفة من البرمجة والمحاكاة باستخدام بيانات حقيقية مثل الصوت والصورة تم التوصل إلى التصميم النهائي للمعالج، تم بعد ذلك تطبيق الوظائف الأساسية على المعالج لاثبات كفاءة وقدرة المعالج الجديد على تنفيذها، وتعد الرسالة الأولى في مجال تصميم معالجات قابلة للتبديل لأغراض متخصصة، والمنطلق الأساسي لتصميم معالجات أخرى لتطبيقات متقدمة في مجالات أخرى مشابهة مثل التطبيقات المطلوبة في المحطات الأرضية للجوال.
|