Wednesday 15th october,2003 11339العدد الاربعاء 19 ,شعبان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

النفق...! النفق...!
إبراهيم عبد الرحمن التركي

إلى أستاذنا الكبير: أبي إبراهيم عبد الرحمن البطحي صدىً لحوارنا في مزرعته (مُطِلّه)..
(1)
**لم يكن زمناً «مُمِلاً» وإن جاء «رتيباً».. فكلنا قادرٌ -إذا شاء- على «برمجة» «اهتماماته» لعام قادم.. وربما لأعوام..!
**كان «الكبير» معنياً «بعملِه» و«منزله» و«صداقاته»، والصغير «بدراسته» و«أترابه».. يؤذنُ لنا أن نتأخر أو نبيت خارجاً مرةً في السنة عندما يُعلن «العيد».. وندخل غير بيوتنا وأقاربنا «بحدود» و«قيود».. إذا حلّ «ضيوف» أو حكمت «ظروف»..!
**كُنّا نعرفُ أصدقاء آبائنا.. و«آباؤنا» يعرفون «أصل» و«فصل» أصدقائنا.. كانت خطواتُنا مرسومة.. ومجتمعُنا متجانساً.. يجمعنا -كباراً وصغاراً- «المسجد» و«السوق» و«تمشيات» «الأصيل» في المزارع.. وجلسات «المغرب» في «الضاحي» القريب.. ونزهات «الليل» في الضاحي البعيد..
**نفرحُ بالمطر.. ويؤنسنا القمر.. ونناجي «النجوم».. وننام قبل أن نكمل عدّها.. ونصحو قبل أن يغيب بعضُها.. نعرف «سهيلاً» بالتمر.. و«الثرّيا» من «الشِّعر».. ونردّد ما تحكيه «الجدة» عن معادلة «المجرّ» و«المسرّ» و«الحضيري» إذا نشر..!
(2)
**كان متاحاً لنا «زمنٌ» نذاكرُ فيه.. و«فائض» نترفهُ فيه.. وبقيةٌ نتابع عبرها برامج «الإذاعة» و«التلفزيون».. لا تفوتنا «أحاديثها» الثقافية.. و«تمثيلياتها» اليوميّة والأسبوعية.. وبرامجها «الحواريّة».. وطلباتها الغنائيّة.. ومرَّ بعضُنا -وهم «صبية».. بتجارب نادرة.. عدّونا كباراً ولم نبلغ الحلم.. فاستضيف (ثلةٌ) منا «إذاعياً وتلفزيونياً».. في مثل «سهرة من مدينة» للأستاذ «علي آل علي» رحمه الله.. و«ثواني وأرقام» ل«فهمي بصراوي».. و«بين فريقين» للإذاعيّ القدير «محمد الرشيد».. و«في الطريق» للإذاعي الكبير «الدكتور حسين نجّار» الذي خلف فيه أستاذ الإذاعيين «الرائد بدر كريم»..!
**فاجأ «الصغير» أن البرامج تحمل بعض «الفبركات».. فربما افتُرض الحوار في «ناصية الشارع» فإذا به في أحد فصول مدرسة «الضليعة/ الفاروق/ -مقر المركز الصيفي حينها-».. ويتوهم «السامع» أنه مع «جمهور» في «مسرح» أو «استوديو» وهم جمع من الأصدقاء في منزل «المذيع».. كما تُهيّأ الأسئلة وقد يوحى «بالإجابات».. ويبدو ذلك أمام «المتابع» بشكل.. غير أن الحقيقة ذاتُ شكل آخر..!
(3)
**وعى «الصغير» أن مَنْ يعملون.. قد يتجاوزون.. وعرف أن «الحياةَ» حمالةُ أوجه.. وأن «الأسماء» تختلف عن المسميات.. فليس كل «سعيد» سعيداً.. ولا كلُّ «أمينٍ» أميناً.. ولا كلُّ «حُسامٍ» حساماً..!
**كان «الوقتُ» يُتيح «التأمّل» و«التفكير» و«المحاكمة».. وإصدار «أحكامٍ» «مترويةٍ» تمِّيز «الشِّعر» من «الشعير».. و«الأريكة» من «الحصير»..!
**كان الناس يحللون «البرامج» و«المسلسلات» و«الأغنيات».. ويُقوِّمون «الممثلين» و«المذيعين» و«المطربات».. و«الكُتّاب» والنادر من «الكاتبات».. ويحتفون بمن يظُنُّونه ذا «ملكةٍ» أو «إمكانات».. وربما قدّروه فوق ما يتوقع فأحس «بالجميل».. وأدرك «التحدي».. وأخلص للعمل..!
(4)
**كان في الوقت فسحٌ لقراءات «منتخبةٍ».. يُوصي بها «الكبار».. ويتناقلها «الصِّغار».. ويؤذنُ فيها بالحوار.. فلا حَجْر على «توجه».. ولا تعصب «لتوجيه».. وكان المجتمع تشكيلةً من تياراتٍ.. تبدو من الخارج في «تضاد».. لكن معتنقيها في «تواد».. والثلة الواحدة تضم «الناصريّ» و«الإخوانيّ» و«البعثيّ» و«التحريري» و«السلفي».. يتبادلون الكتب.. ويعززون «المؤتلف».. ويتجادلون في «المختلف».. فلا تنبو عبارة.. ولا يُتهم «مجتهد»..!
(5)
**مكوناتٌ «بيئيّةٌ» «ثرّةٌ» خلقت «مناخاً» «صحياً» نشأ فيه جيلٌ عريض مؤمناً بثقافة «المشاكلة» و«المشاكسة».. فلم يظهرْ «تطرف».. ولم يُشك من «تنطّع».. ولم تصادر فيه حريّة القول ما ظلّ نائياً عن إشكالات «السياسة» ومتغّيراتها..!
*هذا الجيل لم يستطع نقل تجربته الفريدة إلى من بعده.. فالوقت لم يعد يأذن للأجيال الجديدة أن تفكر.. فاسترخت واستمرأت من يُفكر عنها.. ويقرر -من ثم- بدلاً منها.. وساد الفكرُ «الأبويّ»/ «التسلطيّ».. و«التهميش «العقلي» «النفعي»..!
*امتلأ «الفضاءُ» بالصخب فقلّ «السامعون».. وكثرت «دور النشر» التجاريّة فندر «القارئون».. وتعددت «المنتديات» فعزّ «التسامح».. وقل «المعتدلون».. وانتشر «الغالون».. و«المفرّطون»..!
(6)
**كانت كلُّ «مواهبنا».. «كتاباً» نعرف كيف نقرؤه.. أو «لاقطةً» نُجيدُ الوقوفَ أمامها.. والحديث من خلالها.. أو «مقرراتٍ» نستطيعُ التفوقَ فيها..!**وأتيح لنا رغم محدودية إمكاناتنا فرصٌ لنستضيفَ ونستضاف.. ونستقلَّ ونستدل.. ونتعرف على ألوان الطيف الثقافي والاجتماعي والسياسي فنقرِّر ماهيتها.. وأين.. وكيف.. ولماذا نقف منها..!
**كان أحد معلّمينا الأفاضل (الأستاذ صالح العلّيان -حفظه الله-) يسألنا: ماذا قرأتَ هذا الأسبوع..؟ وكان يتلقى إجابات «مبهجة» من الكثيرين.. ترى لو وجّه «أستاذُنا أبو إبراهيم» سؤاله هذا لجيل اليوم.. فأيّ ردٍ سيتلقى..؟
**تحدثه عن «القِصّةِ» و«الشِّعر» فيجيبك عن «قّصّة» الشَّعر.. وتسأله عن «مفكر» أو «عالم» أو «منتج» ثقافي فتجده جاهلاً به.. أو حاملاً لموقف «مؤدلج» أملاه عليه «الرافضون» دون أن يأذنوا له بقابليّة «التبنِّي».. وراكموا -في سلوكه- سوءات «التجنِّي».. وخيالات «التمني»..!
**مشكلةُ هذا «الجيل» المتوقد ذكاءً.. المحاط من جميع جهاته بالمعارف تصلهُ دون عناء أنه لا يزالُ غير قادر على أكثر من «تفوقٍ» مشهود في تحديد أنواع «السيارات» و«المطاعم» و«الأزياء».. والترحال في الآفاق.. أو التيه داخل دوائر «الإغلاق» و«الانغلاق»..!
(7)
*من يطمحُ إلى بناءِ جيلٍ متوازن يعرفُ حقوقه وواجباته، ويؤمن بحقوق الآخرين وواجباتهم.. فإن بناء الشخصية «المستقلة» عامل مهم في تحديد «نوعيّة» التكوين الذهنّي لأبنائنا وبناتنا..!
**كلهم يقضون سبع ساعات في «المدرسة».. ومثلها أمام «الإنترنت» و«الفضائيّات».. ومع الأصدقاء والصديقات.. والله أعلم أي «عقولٍ» تواجههم.. وتوجهُهم..!
**لم يعد «طفل» اليوم أو «صبيُّهُ» قادراً على تأمل نماذج «صامتةٍ» تحمل «المباشرة» في التلقين بأسلوبٍ «افعلْ» و«دع».. و«نفّذ» و«لا تناقِش».. ولم يبق ممكناً عزلُه عن العالم «الخارجيّ» عبر «وسائط» تحملُ «الحَسنَ» و«الضّدِ».. و«المعتدل» و«المائل»..!
(8)
**نحن مساءلون عن جيل ألقيناه في «اليم» دون أن يعرف «السباحة».. وفتحت أمامه «الآفاق» و«الأنفاق» -على حدّ سواء- دون أن يدرب على «المداخل» و«المخارج»..!
**برزتْ أمام الأجيال الجديدة ظاهرةُ «خداع العناوين».. فرأوا «رموزاً» تصنَّم وحقُها أن «تحُطّم».. وقرأوا خطاباً مجتمعياً ثقافياً ذا نبرةٍ «ديماغوجية» عالية يحمل لغات «التهديد» و«الوعيد» و«التنديد».. فخفتت «أصواتٌ».. وعلتْ أصوات.. وأصبحنا «مازوشيين»/ «بارانويين».. في «تناقضٍ» لا نُحسدُ ولا نُحمد عليه..!
(9)
**مشكلة «الديماغوجيين» محاولتُهم «تسلقَ» الحقيقة من أجل «تملق» «الجماهير» ناسين أو متناسين أن «القيمة» ليستْ «لوناً» براقاً.. وأن «الكاتب» أو «المصلح» أو «الداعية» يسقط فور «عنايته» «بما يطلبه «المتابعون» الذين يرغب تحويلهم إلى «أتباع»..!
**لم يعش جيلُنا مثل هذه «المفارقة».. فما كنا نُحسُّ في «معلمينا» و«موجهينا» و«مثقفينا» محاولة ظاهرة أو مستترة لشراء «المشاعر» أو «المواقف» تزداد بها الأكفُّ «المصفقة» أو الأقدام «التابعة»..! ومن هُنا «توازنّا».. أو معظمُنا.. ومن هنا «اضطربوا».. أو معظمُهم..!
*ثقافة «القطيع» هي المشكلة..!

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved