يتحدث الكثير عن الديمقراطية وكأنها البلسم الشافي لأمراض دول العالم الثالث، ويطنطنون حولها، وكأنها الترياق الذي ينتزع السم الزعاف، ومن اليقين أن الدافعين لها لا يرون هذا الرأي حتى وإن دندنوا حوله، لأنهم يرون أنها غير كافية، وليست الوسيلة المثلى لعلاج الأمراض وهم يرون أمثلة حولهم في آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية.
وهم يعلمون يقينا أن بناء الاقتصاد أولاً أجدى وأنفع للمجتمعات من الدخول في دهاليز الديموقراطية، على النحو الذي يراد لها ان تكون وبناء الاقتصاد يحتاج إلى دفعة قوية وشجاعة في تغيير النمط الاداري، والتضحية ونكران الذات لأن ذلك هو السبيل الأوحد للوصول إلى مراحل متقدمة من الإنتاج الذي يحتاجه المجتمع.
لا يمكن للاقتصاد أن يزدهر دون نمط إداري واضح قابل للتطبيق وهذا يمكن تحقيقه في وجود ارادة لدى القمة والقاعدة في دول العالم الثالث، لكنه غير قابل للتحقيق عن طريق الديمقراطية وحدها، وما فائدة الديموقراطية الوهمية بمفهومها الحالي، طالما ان اثرها لا ينعكس على الحياة اليومية للشعوب؟
هناك دول ديموقراطية كثيرة صنفت في مراتب متقدمة من الفساد الإداري كما أن شعوبها مازالت تئن تحت وطأة الفقر، وهذا يدل على أن امتطاء النمط الديموقراطي بمفهومه الحالي ليس الوسيلة المثلى إذا لم يصاحبه تغيير في النمط الإداري المبني على تغير الذات على جميع المستويات.
إن كثيراً من دول العالم الثالث يمكن لها أن تحقق التقدم بأنماط مختلفة إذا أرادت ذلك غير أن الديمقراطية لوحدها لا يمكنها ان تدفع بالتقدم دون تلك الرغبة الأكيدة للخروج من النمط الاداري السائد فيها.
ليس سن القوانين أو تغيير الهيكلة كافياً في إيجاد الحلول لكثير من المشاكل في دول العالم الثالث رغم أهميته، إذا لم تصاحبه نية صادقة وعمل مطبق لنكران الذات والسعي الحثيث للدفع بعملية التغيير في النمط الإداري إلى الأمام.ستظل دول العالم الثالث تبحث عن حلول هنا وهناك دون جدوى إذا لم تكن قادرة على تغيير ذاتها بتغيير نمطها الإداري في سبيل البحث عن حياة أفضل من الناحية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.
|