النهج الجديد الذي استنته حكومة رئيس وزراء الاردن السيد فيصل الفايز بطرح توجهاتها وتصوراتها للمرحلة المقبلة في مختلف المجالات يمثل خطوة نحو المكاشفة والمصارحة والمساءلة ايضا لأعضاء الحكومة العشرين الجدد في المرحلة الجديدة.
فهذا النهج الذي تمثل بعقد الملك خلوة سياسية مع الرئيس الجديد والوزراء للاستماع إلى وجهة نظرهم حيال كل القضايا يكشف بوضوح الرغبة في الاطلاع على مقدرة الوزراء في مواكبة الاحداث والمستجدات المحلية والقومية وتعزيز الجبهة الداخلية ومكافحة الفقر والبطالة واجتذاب الاستثمارات للاردن فضلا عن قضيتين اساسيتين ستوليهما الحكومة وهما دعم العراق والشعب الفلسطيني.
فكتاب التكليف الذي وجهه الملك عبدالله الثاني إلى السيد فيصل الفايز رئيس الوزراء المكلف تضمن العديد من التوجيهات والآراء القيمة كي تأخذ الحكومة بها في مواجهة العديد من المشكلات التي تواجه مجتمعنا واوضاعنا المحلية والعربية والدولية، وقد رسم الملك صورة واضحة لهذه الاتجاهات، والذي اراد جلالته ان يبلورها عبر اجتماعات عقدها في مدينة العقبة للوزراء الجدد كي يطلعهم جلالته على مختلف التصورات خاصة بعد جولة له في عدد من الدول الاوروبية وفي آسيا حيث التقى العديد من رؤساء الدول العربية والاسلامية.
حكومة السيد الفايز تأتي في ظروف حرجة وحساسة خاصة في ضوء تفاقم الاوضاع في الاراضي الفلسطينية واستمرار العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني بشكل كبير الامر الذي دعا جلالته لكي يكون لحكومته دور حاسم في التحرك لوضع حد للاحداث المؤسفة في فلسطين وتدعم توجهات الشعب العراقي حيث قال جلالته (اننا نتطلع إلى حكومة فعالة محليا وعربيا واقليميا لتكون كما دوما القوة الداعمة للشعب الفلسطيني والسند الحقيقي للعراق الشقيق).
فالرئيس الجديد الفايز يتمتع بشخصية قيادية وله تصورات ريادية كبيرة في مختلف المجالات وكان قد قام بنقل رسائل إلى العديد من رؤساء الدول العربية حيث تشاور معهم في العديد من القضايا المهمة وتربطه علاقات قوية ومتميزة مع الدول الخليجية الامر الذي سيسهم في تطوير التعاون المشترك لخدمة الاردن والدول الشقيقة.
ويأمل الرئيس الجديد ان يحقق آمال وتطلعات الملك عبدالله في ان يكون الاردن وطنا نموذجا وعصريا. كما يأمل ان يكون هناك التنسيق الحكومي بين الوزراء وليس على غرار الوزارة السابقة والتي شاب اعضاؤها، كما قال الملك، (ضعف احياناً في ادائها) مما أثّر على جوهر اداء الفريق الواحد وما انعكس على انسجامها من تحقيق اهدافها.
ولذلك فقد اراد جلالته من خلال التغيير الحكومي المفاجئ ان ننتقل بالرؤية من العين إلى الحركة وإلى الإرادة وإلى السعي المثمر والشامل وإلى المبادرة تلو المبادرة لمزيد من الانجاز كي يكتمل البناء ويعلو بالسرعة التي تحتمها التحديات وتمليها الصعوبات.
لقد حرص الملك عبدالله على ان تكون الاولوية لحكومته هي التنمية السياسية بكل ابعادها بعد ان نعم الاردن بالامن والاستقرار والشفافية وسيادة القانون خاصة وان هذه التنمية يمكن تطويرها وتفعيلها من خلال الحوار الوطني الذي بدأته الحكومة منذ ايام مع عدد من النواب والاحزاب بغية ايجاد تصور قوي تعززه الديمقراطية ويسهم في تجسيد هذه المبادئ من خلال حرية مسؤولة للصحافة تخدم الوطن وتعكس توجهات المواطنين بشكل كبير.
والواقع ان نجاح التنمية السياسية في الاردن يعتمد ايضا على مدى استعداد الحكومة الجديدة لسماع صوتها والاستجابة لمطالبها التي تصفها بالقانونية والدستورية خاصة وان لجنة التنسيق العليا لأحزاب المعارضة تضم في عضويتها اثني عشر حزبا سياسيا تتمسك برؤيتها ومطالبها الخاصة بتطوير الحوار السياسي لرفد التنمية السياسية بالافكار الرامية إلى المزيد من الحريات واعادة النظر بالقوانين انطلاقا من الرغبة في التعدد الفكري والسياسي.
وحيال هذه الرغبة الملكية بإنشاء الوزارة واسناد هذا المنصب إلى السيد محمد داودية المعروف برؤيته الوطنية والحزبية ودبلوماسيته المعهودة فان تحقيق هذه الغاية يتطلب تشكيل هيئة وطنية عليا للتنمية السياسية والحزبية في الاردن ترتكز على الدستور كمرجعية وحيدة وليس من خلال قانون خاص يفرض توجهات الحكومة.
فالتنمية السياسية يمكن ان تشكل نقلة نوعية في الاداء الحزبي والبرلماني خاصة وانها تدعم الدور الرامي إلى تفعيل التشريع والرقابة وتطوير الاداء الاداري لمؤسسات الدولة وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية وارساء دعائم الديمقراطية على قواعد سليمة وذلك عن طريق اعادة النظر بالعديد من القوانين ومنها قانون الانتخابات الحالية واعادة النظر في تقسيم الدوائر الانتخابية.
ولكن لماذا استقالت او طلب من حكومة ابو الراغب الاستقالة وهي التي حصلت على 84 صوتا من اصل 110 اصوات من اعضاء مجلس النواب وهي نسبة لم يحصل عليها أي رئيس وزارة سابق ؟
غير ان المراقبين يرون انه من الدلائل الواضحة التي ادت إلى استقالة ابو الراغب من رئاسة الوزراء وقرب رحيل حكومته ان الملك عبدالله لم يصطحبه معه في جولته الاخيرة التي شملت مؤتمر القمة الاسلامي في ماليزيا وزياراته إلى كل من سلطنة عمان والامارات العربية المتحدة، وارتأى اصطحاب السيد الفايز والدكتور باسم عوض الله وزير التخطيط في تلك الجولة المطولة، ويؤكد المراقبون ان الفايز بدأ اتصالاته واستمزاجه لتشكيل الحكومة وهو في دبي.
ولعل سبب التعجيل برحيل الحكومة السابقة كان الانتقاد النيابي لها عندما التقى الملك على انفراد النواب في عمان خلال الشهر الحالي وبحث معهم كل التطورات السياسية واستمع لوجهات نظرهم.
كما اشار المراقبون إلى ان لقاء الرئيس الفايز مع رجال الاعلام الاردنيين في خطوة مفاجئة منذ اسبوعين حيث طالبهم بالعمل على تسليط الضوء على المشكلات التي تواجه الوطن والمواطنين، والقضايا النيابية كانت بداية واضحة لقرب تكليفه بتشكيل الحكومة، فضلا عن قرار العاهل الاردني بتعيين الامير غازي بن محمد مبعوثا شخصيا للملك عبدالله الثاني وهو المنصب الذي كان الفايز يتولاه بحكم منصبه. وإذا كان جلالته قد اشاد بدور الحكومة السابقة برئاسة ابو الراغب لما حققته من انجازات على مختلف الصعد فان الأمل كبير في ان تحقق حكومة الرئيس الفايز التطلعات الاردنية الوطنية القومية التي رسمها الملك عبدالله، لكي تعتمد على الشفافية ووضع منهجية اساسية تكون الضمانة لتحقيق التغيير المطلوب والمنشود لتحقيق الرؤية الضرورية واستشراف النتائج الطيبة للاردن في اطار تقويم الاعمال وزيادة التعاون العربي ودعم الشعب الفلسطيني والوقوف إلى جانب الشعب العراقي في هذه المرحلة.
المراقبون يتطلعون إلى الرئيس الفايز بالكثير من الامل والتفاؤل والثقة لتحقيق الانجازات التي من شأنها الاسهام في تطوير اقتصاد الاردن ودعم سياسته خاصة وانه ساهم في العهد الجديد لجلالته واتسم خلال السنوات الماضية بآرائه المتفتحة وتوجهاته القومية والديمقراطية لانفتاحه على المعارضة الاردنية ورغبته في اقامة اردن عصري وفق مبادئ الديمقراطية الراسخة والمساواة والفرص المتكافئة التي رسمها جلالته في كتاب التكليف الذي يعتبر وثيقة قومية تاريخية للاردن وللأجيال المقبلة.
|