تحدثنا في الجزء الأول من هذه المقالة، بشيء من العموميات عن قضايا تسريح وهروب الوافدين، وما يترتب على تلك القضايا من انعكاسات سلبية على المجتمع منها (الاجتماعية، الاقتصادية، الأمنية)، والحقيقة أن قضية الهروب تأتي في مقدمة القضايا التي ينشب معها العديد من القضايا الأخرى، التي تكون سبباً رئيساً في حدوث اضرار على المجتمع، ونحن في المملكة بقدر ما أضحت سياسة الاستقدام لدينا تمثل طريقاً خصبا وسهل المرور من خلاله من قبل معظم طالبي العمل من الوافدين، فإنه بالمقابل اصبح الطريق ممهداً لهم نحو هروبهم من أصحاب العمل القادمين للعمل لديهم، ولاشك أننا ننادي ببذل الجهود وتذليل الصعاب التي تواجه اقتصاديات البلاد، ومنها سهولة تنقل الوافدين في أنحاء البلاد، سواء للعمل أو الزيارة أو السياحة، لكن لا يعني هذا أننا لا نطالب بوضع ضوابط على الأقل تحد من استغلال تلك المزية التي تؤدي الى هروب الوافد ومن ثم رحيله الى وطنه دون علم صاحب العمل أحياناً!! نحن نعلم ان هناك ضوابط وعقوبات مفروضة تجاه من يلجأ إلى تلك الأساليب الخاطئة، إلا أننا لا نزال نطالب بتفعيلها وتطوير أدائها، والحلول التي تعالج بها قضية الهروب، والكامنة في إلقاء القبض على هذا الوافد الهارب، ومن ثم ترحيله سواء على حسابه أو حساب صاحب العمل أو حتى على نفقة الدولة، وما يطبق من عقوبات أحيانا من خلال ما تثبته التحقيقات مع هؤلاء المخالفين، إن ذلك يعد مجرد علاج أو حل وقتي لا يعالج قضية كبرى ومستشرية، كما يستشري المرض في الجسد، ولهذا فإننا بحاجة إلى علاج ناجع، يتعامل مع هذه القضية بكل حزم واقتدار، وقبيل إعداد هذه المقالة تلقيت العديد من الاتصالات من أناس ينددون بقضية هروب عمالتها، نسائية ورجالية، وما يثير حفيظة البعض منهم، هو اكتشاف رحيل هذا الهارب الى بلاده دون علم صاحب العمل في بعض الأحيان، فماذا نحن فاعلون لدرء مخاطر هذه القضايا التي تنمو يوما بعد يوم في بلادنا، لعلنا هنا نقدم بعضا من الاقتراحات التي سبق لهذه الزاوية طرح البعض منها من خلال مواضيع مشابهة وذلك على نحو ما يلي:
1 المطالبة بالإسراع في تطبيق المشروع الفني لأخذ بصمات اليدين والعينين مع السعي إلى تطبيق موضوع تصوير الوجه وتلك سياسة قائمة ومطبقة لدى العديد من الدول.
2 ربط نتائج أخذ البصمات هذه داخل الشبكة الحاسوبية لدى كافة افرع المديرية العامة للجوازات، خصوصا لدى منافذ الدخول والخروج، للتمكين من القبض على المخالف سواء كان هارباً أو مطلوباً للعدالة، حينما يتواجد في تلك المنافذ.
3 حال التبليغ بهروب الوافد، يفترض ان يتم إعداد ملف آلي عن قضية الهروب وما تحتويه من معلومات مقدمة من صاحب العمل، ربطاً بالملف الآلي لصاحب العمل، الذي يعتبر مهيئاً عند دخول الوافد للمملكة، ليكن ملفاً آلياً موحدا يحتوي على كافة المعلومات عن صاحب العمل والوافد، ومنها البصمات الآلية التي سوف توقع المخالف أو الهارب في أيدي الجهات الأمنية لتوافر معلومات واضحة ووافية عن ماهية قدومه في الأصل.
4 تزويد سفارات المملكة، سواء من خلال البريد الإلكتروني أو من خلال الدخول في شبكة مركز المعلومات بوزارة الداخلية أو حتى من خلال الأقراص الحاسوبية المدمجة، بالمعلومات العامة عن الوافد الذي قد دخل البلاد، وكذا الهارب أو المطلوب للعدالة أو المرحل بسبب قضية ما، تمهيداً للتعامل معه مستقبلاً عند رغبته في العودة إلى المملكة، حسب ما تقتضيه مواد نظامي الإقامة والعمل، حيث ان القوائم السوداء في السفارات عاجزة من الناحية الفنية والمعلوماتية عن النيل من معلومات كهذه، ومن هذه الأسباب يلاحظ قدوم وافدين محظور استقدامهم أو التعاقد معهم قبل مضي مدة محددة إنفاذاً لتعليمات أو قرارات.
5 يفترض عدم ترحيل الوافد الهارب إلا بحضور صاحب العمل أو من ينوب عنه، للتأكد من عدم وجود أي التزامات أيا كانت لكلا الطرفين تجاه الآخر، وأعلم أن مثل هذه الإجراءات تتم في بعض الأحيان، ولكنها ربما لا تتأتى في أحايين أخرى بسبب صعوبة التحقق من كيفية وأسباب قدوم ذلك الوافد الهارب، بحكم عدم توافر البصمة الآلية بعد.
6 من المفترض ان يدعم برنامج الجوازات الآلي بمعلومات كاملة عن عدد التأشيرات الصادرة من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ومهنها، خصوصا أن التأشيرات اصبحت تصدر داخل المملكة آليا وكذا آليا في سفارات المملكة بالخارج، وبالتالي يجب ان يتعامل رجل الجوازات في منافذ الدخول مع كل حامل تأشيرة حسب ما يظهر له في شبكة المعلومات والذي يكون مطابقا لإصدار موحد قد صدر من قبل السفارة المختصة عن كل تأشيرة، مما يحد من تزوير التأشيرات التي تتم احيانا في الخارج، هذا فضلا عن سهولة حصر ومعرفة كل تأشيرة تصدر في البلاد، حيث يلاحظ مفارقات عدة في الإحصائيات العمالية لصعوبة تطابق العمل المنتج في الداخل بين جهة وأخرى.
إن تطبيق مثل هذه الاقتراحات وإن كان مكلفاً بعض الشيء من الناحية المالية والذي قد يعتقد انه كبير، إلا أنه سوف يكون أقل بكثير من ما ينفق على الوافد الهارب، سواء من ناحية البحث عنه او ما يسببه من أضرار اقتصادية تجاه قوة العمل، وأخيرا تجاه الحكومة سواء عند اقامته موقوفا بعد القبض عليه ومن ثم ترحيله، والتي تذكر الإحصاءات عن ضخامة وهول المبالغ المالية التي تقدر بملايين الريالات التي تنفق سنويا من الميزانية العامة للدولة بسبب تخلف الوافدين سواء من قدم للعمل والزيارة أو الحج والعمرة، فهلا نبادر سريعا، احتواء لما يسيء لمقومات البلاد ودعما لقدراتها في كافة المجالات.
(*) الباحث في شؤون الموارد البشرية
|