طوبى لمن مسك الزمامَ فصاما
واختار آفاق السكونِ فقاما
طوبى لمن هجر المفاتن راغباً
واختار عاقبةً ورام ختاما
تتدافع الأفراح حول فؤادِه
وتبث فيه هداية وسلاما
وتقوم أوراد تُرتَّل بُكْرةً
وعشيةً قد أُحكمت إحكاما
يسمو بها في كل حين سابحاً
ويظل صوَّاماً بها قوَّاما
وترى الطيورَ بواسطاً وقوابضاً
طرِبت فبثت شدوها أنغاما
وترى الزهورَ موائساً ونواعساً
ذابتْ على الصَّوت النديّ أواما
هي نعمة كُبْرى يظل حداؤها
يُدني إلى أفق الرجاء كراما
هي نفحةٌ عُظمى يظلُّ عبيرُها
يسقي الرحيقَ من الرحيقِ مداما
هي فطنة تُغني الحياة وربما
أغنت وقد قام الجميعُ مقاما
أَيْقِظ ضميرَك في رحاب فضائها
واقطع حبالَ الإفك والآثاما
وأَقمْ جيادَكَ للمسير فإنها
ظمئت وأوْرِدْها السرابَ زؤاما
خُذْ هذه النفحاتِ ثم اعبر بها
هذي الفلاةَ وجَاوِز الآكاما
عطِّر لسانك بالمحامد وانطلق
نحو الثُريَّا واشدد الإحراما
هل هذه دنياك أم دنيا بها
ترد النفوس على الحرام حراما
أم أنها دنيا يخوض غِمارَها
متكسبٌ دنساً ومال يتامى
أم أنها الأخرى ولم يفطن لها
من عاش يُلبسه الظلامُ ظلاما
جُعْ ما استطعت وخلّ ريقَكَ طيباً
بالذكر، واحفظ في النديّ ذماما
واجعل حديثك متعة ريّانة
أو زهرة فواحة وخزامى
واجعل سقايتك الحروفَ مضيئة
واجعل قراك النحل والأنعاما
وأذب عيونك في التلاوة ربما
تُسقى الدموعُ تحية وسلاما
وأَقمْ على لهب الهجير فربما
لقّيته يوم النشور غماما
وتَفقَّدْ المسكينَ لا يدري به
أحد ويُجزل ربُّك الإكراما
وابحث عن المظلوم وارفع ظلمه
تَسعدْ ولا تخشَ الغداةَ ملاما
طهِّر جنَّاتِك بالصيام فربما
حُرِم الفتى فوقَ الصيامِ طعاما
واجعل بشاشتَك السبيلَ لصاحبٍ
يُفْضي إليك ليُزهق الآلاما
وأثِر بوجهك وجَه شمسك إنها
بسنى التُّقى تهدى السبيل أناما
وأَقمْ بصمتك للكلام موائداً
إن طاب صمتٌ كنتَ أنت كلاما
وأَرحْ نفوساً أتعبتك ولم تزل
بالصَّفْح واحذر أن تَبثَّ خصاما
واجعل من الإحسان شيمةَ قادرٍ
يولي فيوشك أن يكون إماما
وإذا الصديقُ جفا وأعرضَ أو نأى
فاجعل عيوبك حجة إن لاما
وإذا قريُبك زاد في غُلوائه
فاعطف فربَّ رحيله قد قاما
وإذا الوشايةُ والنميمة أقبلتْ
فاهجر هناك الواشيَ النمَّاما
وإذا المودةُ أغلقتْ أبوابَها
فاجعلْ سبيلك ما حييتَ قواما
واستأنسْ الأقوامَ بالأخلاق كم
يعلو بها رجلٌ وكم يتسامى
واجعل لمن أحببتَ حبَّك صافياً
حبَّا تفيض به النُّهى إلهاما
واستغنِ عن هذا وذاك فربما
تُجزى بصبرك رِفعةً ومٌقاما
طوبى لمن جعل الصيام مطيةً
لنجاتِه فقضى الحياةَ صياما
عفّت جوارحُهُ وعفّ جنانه
واختار عاقبةَ الأمور مراما
ومضى يبرُّ أقارباً وأباعداً
ويقيم وصلاً يسعدُ الأرحاما
وينازل الطاغوتَ في ساحاتِه
لا يستريحُ.. ولا يريحُ.. هماما
طوبى له متجردا.. ومجرَّداً
إلا من التبجيلِ.. فاق عِظاما
إن الصلاة مع الصيام فرائضُ
لا تستَطلْ فتجاورَ الأقزاما
خذ منهما الأسرار صافيةً ولا
تجهر بخافيةٍ وأدِّ تماماً
يسمو الصيامُ بصائمٍ.. وبقائمٍ
مسك الزمامَ إلى النجاة فصاما