وضعت إسرائيل وعبر صواريخها التي قذفت بها عمق الأراضي السورية العربية في وضع لا يحسدون عليه أبداً وأكدت الدولة العبرية مجدداً أن بمقدورها توسيع هوة الخلاف القائمة أصلاً بين الأمة العربية وأنها مهما عربدت في الأراضي العربية شرقاً وغرباً فإنه ليس بمقدور أي عربي أن يرفع حاجبيه أو يدير فوهة دبابته صوب تل أبيب، ويعتقد المحللون أن الهجمة الأخيرة على سوريا ما هي إلا بالونة اختبار لضربات متلاحقة ما دام أن الدولة العبرية أيقنت أن العرب مغرمون جداً بتقبل الصفعات، فما إن نتلقى صفعة على خدنا الأيسر حتى ندير الأيمن لتلقي لطمة من العيار الثقيل عليه، ولنا مع مفردات التنديد والشجب والاستنكار والامتعاض عشق شديد وكأن هذه الكلمات وملحقاتها اللفظية في القاموس العربي قد فصلت تفصيلاً لتخرجنا من مأزق السياسة ولترفع عن كواهلنا المثقلة الحرج والخنوع والخضوع المذل الذي تضعنا فيه إسرائيل كل مرة، ففي ضربتها الغاشمة مؤخراً لم تكن تريد ملاحقة الارهابيين في أوكارهم، كما ادعت ولكن لتؤكد لساسة البيت الأبيض هناك أنها وبحكم عشرتها الطويلة لبني العرب على قناعة تامة بأن الرد لن يتجاوز بأي حال من الأحوال ما رأيتموه من مهاتفات المواساة والتعزية وانعقاد جامعتهم البائسة ومطالبتهم بجلسة طارئة لمجلس الأمن والذي أنتم قادرون على ابطال مفعوله متى ما تريدون ذلك وإن مرت هذه الضربة بسلام فإننا بعد ذلك سنقوم بمطاردة كوادر الإرهاب الفلسطيني في قلب وأزقة وداخل فنادق العواصم العربية حتى لو لزم الأمر أن تطال نيراننا رؤوساً عربية تتولى مناصب رفيعة في بلادنا وتظهر تعاطفاً وتقدم دعماً لأي من المنظمات الارهابية، كما فعلتم أنتم باقتلاع نظام صدام من سدة الحكم.
إسرائيل يا ساداتي ستستمر في طغيانها الفاشي طالما أنها تتلقى ضمانات أمريكية وغطاء دولياً يمنع عنها قرارات سيف مجلس الأمن المبتور وخير شاهد على ذلك أن الرئيس الأمريكي ورغم خوفه من ازدياد رقعة الحرب في الشرق الأوسط لكنه سمح لشارون بملاحقة أوكار الارهاب أينما كانت. وهذا الذي حدث بداية لتنفيذ التوصية الأمريكية التي بدأت بسوريا ولا ندري أين تقع صواريخ وقاذفات إسرائيل في المرة التالية وكل العواصم العربية مهيأة لاستقبالها وفق ما أكده مجرم الحرب شارون بقوله: «إن إسرائيل لن تتردد في حماية مواطنيها وستقوم بضرب من وصفهم بأعدائها في أي مكان وبأي طريقة»، وقد أتت الضربة الإسرائيلة لسوريا في وقت يستعد الكونجرس الأمريكي بمزيد من الضغوط على سوريا عبر مشروع محاسبة سوريا لتحقيق المزيد من الضغوط على العرب وفرض السيطرة الإسرائيلية وإبلاغ رسالة بأنه ليس هناك منافس ولا منازع للقوة الصهيونية في المنطقة وعلى الجميع أن يرضخ لإسرائيل، ومما يؤكد هذا التصورسعي اسرائيل لضرب أهداف سورية في كل مرة تهدد فيها واشنطن سوريا وتوجه لها انتقادات الأمر الذي يوحي بأن هناك تنسيقاً بين الطرفين على ملاعبة السوريين! ويهدف شارون هذه المرة للضغط على سوريا كي تضغط بدورها على حركات المقاومة اضافة لسعيه لتعزيز الحملة الأمريكية ضد سوريا بتصويرها كراعية للارهاب ومن ثم قبولها بالتنازل في نهاية الأمر والقبول بأي حل لأزمة الجولان المحتل، وقد أدركت القيادة السورية أن ما يجري ليس سوى مصيدة لجرها لرد فعل أكبر تتدخل فيه أمريكا لذا آثرت الاحتماء بالموقف الدولي واللجوء إلى الشرعية الدولية ممثلة بمجلس الأمن خصوصاً أن هناك تهديداً صهيونياً بتكرار هذه الغارات داخل العمق السوري.
ويبقى الأمل معقوداً بحرص القادة العرب على تعزيز وتفعيل التضامن العربي لمواجهة التحديات والاعتداءات الإسرائيلية التي تزداد شراسة ضد العرب جميعاً والتي تستهدف الأمة بكل كيانها، وننوه فخورين بموقف سمو ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز الذي يؤكد بأنه غير آبه بشيء سوى كرامة الأرض التي أنبتته وعلمته كيف يكون الدفاع عنها وعن الوطن وعن الإنسان، فقد اتصل سموه بالرئيس السوري الدكتور بشار الأسد منوهاً بعمق العلاقة بين البلدين الشقيقين التي تضرب في جذور التاريخ ومثنياً على موقف سوريا الذي تميز بضبط النفس إزاء هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم ليؤكد وقوف المملكة إلى جانب سوريا الشقيقة في مواجهة التهديدات الظالمة، وقد رسم سموه أرضية الانطلاق إلى المستقبل القريب والبعيد على حد سواء في زحمة الأحداث التي تشهدها منطقتنا العربية أو تتفاعل مع مجرياتها من مختلف مواقعها، وهذا التفاعل السعودي ينفخ الروح في الكيان العربي لاتخاذ موقف مواجه لاسرائيل وعدوانيتها، وباعتقادي أن وقف حرب الإبادة هذه أصبح مسؤولية دولية تشكل جوهر اختصاصات مجلس الأمن والدول دائمة العضوية فيه وتستطيع المملكة العربية السعودية أن تؤدي في هذا المجال دوراً رائداً وفعالاً، فالمملكة بحضورها الدولي القوي وما تتوفر عليه من مكانة دينية رفيعة باعتبارها مهد الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين فضلاً عما تمثله من دور اقتصادي فاعل على الساحة العالمية فهي قادرة وفقاً لهذه الاعتبارات على التحرك بمرونة أكثر في الساحات والمحافل الدولية مستهدفة احقاق الحقوق ونصرة القضايا العربية والإسلامية، ونناشد الشرفاء في كل العالم ان يجسدوا المعنى الحقيقي للشرف وأن يساهموا بفاعلية لا انحياز معها في تحقيق السلام العادل الشامل.
الرياض 11333 - ص ب 340184
|