Monday 27th october,2003 11351العدد الأثنين 1 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كان يعي ما يقول!! كان يعي ما يقول!!
رضا محمد العراقي

دعا الناطق باسم وزير الخارجية الإسرائيلي إلى أن «تهب كل دول العالم المستنيرة والمدافعة عن السلام والديمقراطية للاحتجاج على هذه التصريحات الشائنة التي تبث الكراهية» وذلك رداً على تصريح رئيس وزراء ماليزيا محاضير محمد أمام مؤتمر القمة الإسلامي العاشر المنعقد في ماليزيا والذي قال فيه «ان الاوروبيين قتلوا ستة ملايين يهودي من أصل 12 مليوناً ولكن اليهود اليوم يقومون بإدارة العالم بالوكالة ويريدون أن يتقاتل الناس ويموتوا من أجلهم»، وعلى الفور وبسرعة البرق تحركت الدول «المستنيرة» لمساندة اليهود بعد أن دعتها الدولة اليهودية للتحرك والاحتجاج على هذا التصريح، فانتقد الاتحاد الاوروبي ذلك التصريح ووصفه بأنه «مهين ومعاد للسامية» وسارع مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى وصف تصريحات محاضير بأنها «مهينة وجارحة ونتعامل معها بالازدراء والسخرية اللذين تستحقهما». وفي مقابلة بوش مع محاضير لم يترك الفرصة تمر دون أن يذكر له أن تصريحاته كانت خاطئة، واستدعت الخارجية الألمانية القائم بالأعمال الماليزي وأبلغته أن تلك التصريحات غير مقبولة على الإطلاق!!
العالم الغربي يعيد تربيتنا من جديد فيعلمنا ما يجب أن نقوله وما يجب ألا نصرح به، حتى لو كان الأمر يخصنا ويخص عقيدتنا ووجودنا ومستقبل هذه المنطقة. علينا أن نموت في صمت، ونُقتل دون الدفاع عن انفسنا، وإذا حاولنا فإننا إرهابيون لا نستحق إلا القتل أو الاعتقال في غياهب سجون جوانتانامو.
ألم يقل رئيس الوزراء الماليزي الصدق وما يؤكده الواقع الفعلي؟ ألم يعلن بعدها كولن باول وزير الخارجية الأمريكي أنه سيرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب في حالة توقيعها اتفاق سلام مع المتمرد المسيحي، وإذا اغلقت كل المكاتب المناهضة لإسرائيل بأرض السودان؟ أليس ذلك وكالة باسم اليهود؟ ألم يكن أحد الشروط القاسية على النظام العراقي السابق ضمن الشروط الأمريكية عليه أن يقيم علاقات طبيعية مع الكيان الصهيوني ويفتح له سفارة في بغداد؟
ألم يطلب الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون من الأمير عبدالله ولي العهد السعودي أن ينسق له لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، فرد عليه ولي العهد بأنك تجاوزت حدود علاقات الصداقة؟
ألم يتجاهل الإعلام الأمريكي ولم ينشر أي خبر يتعلق بالقمة الإسلامية العاشرة بعد تصريحات محاضير محمد عن اليهود، رغم أن المجتمعين يمثلون 57 دولة إسلامية تشكل ما مجموعه سدس العالم وحضره 6 ملوك و17 رئيسا و 7 رؤساء حكومة و11 وزير خارجية و8 ممثلين عن دول أخرى كما حضره الرئيس الروسي بوتين والرئيس البوسني تيجي ورئيسة الفلبين جلوريا اوريو كمراقبين، فأين هي حرية الإعلام التي صدعوا رؤوسنا بها، لإغفالهم تغطية هذا المؤتمر إعلامياً؟! أليس هذا تحيزاً لإسرائيل؟!
ناهيك عن استخدامات أمريكا حق الفيتو ضد كل القرارات العربية التي تدين ممارسات اسرائيل العدوانية على الأراضي والشعوب العربية، والتي كان آخرها استخدامه ضد قرار بوقف بناء الجدار العنصري في الأراضي العربية، والذي تبنته فيما بعد الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية ساحقة. لقد استخدمت أمريكا هذا الحق «الذي تريد به باطلاً!!» لدرجة انها دخلت موسوعة جينس في مجموع استخدامه مقارنة بالدول الأخرى التي لها نفس الحق.
التحضير للهجوم على محاضير محمد لم يكن وليد اللحظة أو كان تعقيباً فقط على تصريحه الذي لم يأت فيه بجديد على أحوال اليهود، بل كان مخططاً له منذ فترة، فهذا الرجل يمتلك من الشجاعة ما جعله يندد بسياسة الولايات المتحدة الاقتصادية وصب عليها جام غضبه بعد ما حدث من انهيارات اقتصادية لدول النمور الآسيوية، وكانت للولايات المتحدة اليد الطولى فيها مع رجال المال اليهود، وكانت انتقاداته وقتها لاذعة ومباشرة، وقد استطاع أن يعبر ببلاده بر الأمان وتجاوز هذه الازمة التي كادت تعصف بماليزيا وغيرها من دول النمور، ونجح في افشال المخطط الأمريكي اليهودي لتدمير القوى الاقتصادية، كما أنه اتهم قبل افتتاح مؤتمر القمة الإسلامي بأيام إسرائيل باستغلال قوة أمريكا لغزو سوريا، وقال ان اسرائيل بهجومها على سوريا تدفع بالولايات المتحدة إلى حرب جديدة في الشرق الأوسط.
إذن كانت المصيدة في انتظار الرجل فهم يتحينون له تصريحاً بمثل هذا الحجم حتى يلاحقوه إعلاميا وسياسيا، وكان أول اتهام معتاد لمن يهاجم اليهود صكاً يهودياً ثابتاً وختماً صهيونياً هو تهمة «معاداة السامية» ثم تتابعت الاتهامات والاستنكارات، وما هو قادم هو الأسوأ خصوصا بعد أن رد محاضير بتصريح لا يقل خطورة، إذ قال: إن الولايات المتحدة لن تنجح في دحر الارهاب عن طريق استخدام القوة.
وإننا في خضم ذلك الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الحاصل الآن بين الغرب والإسلام، سوف نكال بمكيالين على كل المستويات، فقد تزامن مع تصريح محاضير محمد هجوم شرس من اليهود، فهذا ضابط اسرائيلي متقاعد يشن حملة بروتستانتية يهودية لتشويه صورة الإسلام في الغرب عندما استضافته منظمة مسيحية بروتستانتية صهيونية تطلق على نفسها اسم (مناصرو إسرائيل) بجنيف، وقال آفي ليبكن ضمن جولة لعقد مؤتمرات مماثلة في أوروبا تستضيفها الكنيسة البروتستانتية «إن الإسلام صنو الإرهاب والمسلمين خطر على العالم الغربي» واشار إلى أن «الإسلام لا يعرف المحبة وكلمة الحب ليست موجودة في القرآن» مستخلصا من كلامه ان «المسلمين يستعدون للمعركة الفاصلة لإبادة اليهود والنصارى» بعد شراء السعودية قنابل نووية من باكستان، وإيران تسعى لامتلاك السلاح النووي، ثم وجّه سؤالاً ملغوماً: هل نسمح لهم بذلك؟ هل نقف مكتوفي الأيدي حتى يأتوا ليذبحونا؟!
وهذا هو بيت القصيد، إنهم لن ينتظروا منا أي فعل بل سنكون على الدوام في حركة رد فعل على هجومهم، لن يتركونا ننهض أو نعلن المقاومة على مشروعهم الاستعماري .. لن يقفوا مكتوفي الأيدي حتى نمتلك أسلحة الدفاع عن أنفسنا.
وإذا اردنا الاجابة عن ذلك السؤال التحريضي الذي ألقاه «آفي ليبكن» في منظمة «مناصرو إسرائيل» بسويسرا علينا أن نمسك الخيط من أوله حتى تتضح لنا معالم الإجابة، ونسأل هل الرئيس الأمريكي كان يعي ما يقول عندما أطلق تعبيره على الحرب ضد الارهاب بأنها «حرب صليبية» بعد أحداث 11 سبتمبر أم أن التبريرات التي قيلت بعدها ضيعت علينا معالم الحرب؟ ماذا يقول المبررون للرئيس بوش عن «زلة اللسان» في مضمون خطابه أمام اجتماع الأمم المتحدة الأخير عندما قال: «سنعمل على تغيير الايديولوجيات في العالم العربي» والايديولوجيات بالمفهوم الغربي «العقيدة» أي أنه سيعمل على تغيير تعاليم الإسلام.. وإلا بماذا نفسر أن تضع الخارجية الأمريكية «حماس» و«الجهاد» و«حزب الله» في خانة المنظمات الارهابية؟ ولماذا تضغط على الاتحاد الاوروبي من أجل أن يضعها أيضا ضمن المنظمات الارهابية؟ ولماذا تطلق على كل انواع المقاومة في فلسطين والعراق وصف أعمال ارهابية؟!
ولماذا قال وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد حول تصريحات نائبه لشؤون الاستخبارات الجنرال وليم بويكن إنها تندرج تحت باب الحرية الشخصية المتاحة لكل الأمريكان وإنها وجهة نظره.. سبحان الله. الهجوم على عقائد المسلمين وجهات نظر وحرية شخصية، لكن الهجوم على اليهود «مهين وجارح» (حسب تعبير المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية) فماذا قال الجنرال بويكن؟ قال «ان الحرب ضد الارهاب انما هي صراع بين القيم المسيحية واليهودية والشيطان» واضاف: «ان امريكا أمة مسيحية والجيش الأمريكي هو جيش الرب»!!
رجل مسؤول من الجيش الأمريكي يطلق نفس العبارات التي اطلقها البابا «إربان الثاني» مع بداية الحرب الصليبية عام 492هـ عندما وصف الغزاة بأنهم «جيش الرب!!»
هل كانت زلة لسان من الرئيس الأمريكي أم أنها كبد الحقيقة؟ وأن من جاء بعده من جنرالات جيشه يؤكدون ذات المعنى ونفس الهدف.. وللحقيقة والانصاف فإن الجنرال «بويكن» لم يكن متأثراً بما قاله رئيسه بوش بعد أحداث 11 سبتمبر بل هي عقيدته الراسخة حيث قال عام 1993م «كنت أعرف أن ربي أكبر من ربهم» ورغم انه لا يوجد إلا اله واحد إلا انه حسب عقيدتهم يرى أن إلاههم أكبر من إلاهنا. ألا تندرج تلك مفاهيم تحت اطار الحرب الصليبية؟ لكنهم يقولون إن ما قاله الرئيس كان «زلة لسان» وما قاله بويكن بعد ضغوط عربية وإسلامية محل تحقيق الآن حتى لا نمضي قدما في تأكيدنا على أنها الحقيقة ولم نشطط ولم نظلم!!
وإذا كانت أمريكا بكل هذا الوهج اعتبرت تصريحات محاضير محمد خاطئة وسيتعاملون معها بالازدراء والسخرية .. فلم كان صمتها القبوري عندما قال أحد المسئولين الإسرائيليين إن مشكلتهم ليست مع المسلمين وانما مع الإسلام ذاته؟!!
ولماذا لم يتمعر وجه بوش عندما اتهم رئيس الحزب القومي الديني الإسرائيلي اليساريين الإسرائيليين الذين وقعوا وثيقة سلام مع فلسطين بأنهم خونة ويجب اعدامهم؟
فقط تظهر النخوة الأمريكية لكل عملية تحدث في تل أبيب ويتهم فيها عرفات بأنه لم يعدم كل الفلسطينيين حتى ينعم اليهود بالهدوء والسكينة والأمن!!
نعم هي حرب صليبية وليست «زلة لسان» وكل القرائن والوقائع تشهد بذلك، وعندما قالها كان يعي ما يقول.. والسؤال الذي طرحه الضابط الإسرائيلي المتقاعد «هل نقف مكتوفي الأيدي حتى يأتوا ليذبحونا»؟ كان جوابه ما يحدث الآن من ضغوط هائلة على سوريا والاعتداء عليها والضغوط على إيران حتى تتخلى عن برنامجها النووي، وقبل هذا وذاك احتلال العراق، وخطر تقسيمه إلى ثلاث دويلات اصبح قاب قوسين أو ادنى.. وقوائم انتظار الدول المرشحة للتهديد والاحتلال طويلة طالما تحمل ثقافتها صفة الإسلامية!!
ولله الأمر من قبل ومن بعد.

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved