Thursday 30th october,2003 11354العدد الخميس 4 ,رمضان 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

حوار مع الذات من أجل حوار مع الآخر حوار مع الذات من أجل حوار مع الآخر
لبنى وجدي الطحلاوي

أكثر من مليار وثلاثمائة مليون مسلم في العالم يستقبلون (شهر رمضان المبارك)، هذا الشهر من الشهور التي جعلها الله علامة فارقة بين الشهور جميعها، فيقوم المسلمون فيه بكل ما يقربهم إلى الله عز وجل... لتزداد قلوبهم خشوعا وتزداد نفوسهم صفاء ومودة ورحمة، وليغفر الله لهم ما تقدم من ذنوب... فتكثر ممارسة المسلمين شعائرهم الدينية العظيمة فإلى جانب أن شهر رمضان هو شهر الصوم إلا أن في هذا الشهر الكريم تكثر العبادات ويكثر التقرب إلى الله عز وجل، فتكثر الصلوات وقراءة القرآن والصدقات ويكثر الدعاء والبر والزكاة، فيزداد التقارب وتزداد المحبة بين المسلمين، فالإسلام دين الوحدة والتوحيد.
كما يضاعف الله الأجر والثواب للمسلمين في هذا الشهر ولمن يحسنون صيام وقيام الشهر الفضيل، ولذلك قال نبينا ورسولنا محمد صلى الله عليه وسلم عن رمضان (أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار).
ويعلم الله سبحانه وتعالى أن المسلمين يستقبلون الشهر الفضيل بقلوب مثقلة بالهموم ومليئة بالألم والحسرة فمن ناحية تقرع طبول الحرب على أمتنا العربية والإسلامية وأصبحنا عرضة لمشاريع التقسيم وللتنبؤات الشريرة، ومن ناحية أخرى يمارس الارهاب الاسرائيلي عمله الدؤوب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أمام عالم أصبح شاهداً متواطئاً... لا يحرك ساكناً مقابل ما يحدث ووسط فرقة عربية وإسلامية لم نشهد لها مثيلاً من قبل، تتجسد منذ اليوم الأول للشهر الفضيل فلم تجمع الأمة الإسلامية منذ عقود من الزمن على دخول شهر رمضان في نفس اليوم، وهذا يعني أن المسلمين لم يبدؤوا أول أيام صيام الشهر سويا كما لن يحتفلوا بأول أيام عيد الفطر المبارك سوياً، واستغرب لماذا لا يتخذ أمر موحد ومحدد لذلك بالاتفاق مع كافة الدول المسلمة في القمم العربية والإسلامية التي تعقد؟ ولماذا لا تسير الأمة الإسلامية كافة على إعلان دخول شهر رمضان وأول أيام العيد لما يصدر عن الافتاء في المملكة العربية السعودية ويكون هناك اجماع إسلامي على ذلك، باعتبار المملكة أرض الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين ومهبط الوحي والرسالة، والأرض التي أنجبت نبي هذه الأمة والبلد الذي يقصده كل معتمر وكل حاج مسلم في العالم ليتمم الركن الخامس من أركان الإسلام.
إن المسلمين جميعهم في مشارق الأرض ومغاربها يتمسكون جيداً بشعائرهم الدينية وكثير منهم يطبقون ذلك على أكمل وجه، وهناك كثيرون أيضا بعدوا عن جوهر هذا الدين الحنيف من خلق ومن سلوك ومن تعاليم، ولذلك لا بد لكل منا في هذا الشهر الكريم أن يجري حواراً مع ذاته، هل نحن نتحلى بالفعل بخلق الإسلام؟ وهل نحن نطبق سلوك الاسلام وتعاليمه مع أنفسنا ومع الآخرين وفي كافة جوانب حياتنا اليومية كما أمرنا الله ورسوله؟
علينا أن نعود إلى السيرة النبوية المطهرة والصحابة الكرام والسلف الصالح ونتمعن في ذلك جيداً لندرك كم نحن نقترب أو نبعد عن جوهر الدين الحنيف من خلق وسلوك وتعاليم، وهل البعض يحرص على اقامة شعائر الدين فقط دون أن يحرص على جوهر هذا الدين؟ هل يقوم البعض بأداء الشعائر ويناقضها بالفعل والقول والسلوك؟ إن حسن الخلق من صفات المؤمنين، لقد وصف الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم في محكم كتابه بقوله: {وّإنَّكّ لّعّلّى" خٍلٍقُ عّظٌيمُ (4)} [القلم: 4] وقال تعالى: {(فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران:159)
كما قال صلى الله عليه وسلم (أدبني ربي فأحسن تأديبي) إننا نريد أن نتمسك جميعنا بخلق الإسلام وتعاليم الإسلام بقدر ما نتمسك بشعائرنا.. إننا بحاجة إلى أن نخوض هذا الحوار بنجاح مع الذات.. من أجل أن نخوضه بنجاح مع الآخر..
فنظرة الغرب للإسلام والمسلمين قد تشكلت عبر مراحل طويلة من الزمن، ضمت رجال فكر وسياسة ومستشرقين وغيرهم.. وتبلورت في النهاية من خلال جملة من التصورات لم تعكس صورة صادقة وحقيقية وواقعية عن الإسلام والمسلمين بل عكست ما في ذهن الغرب أنفسهم، فبعض أحداث العنف والتطرف التي نسبت إلى الإسلام والمسلمين والتي حدثت بشكل متفرق في العالم لم يتحدث أحد في الغرب عن أسبابها الحقيقية وخلفياتها، بل اكتفوا بإدانتها وبإدانة المسلمين، ونسي الغرب تاريخهم العنصري والحركات العنصرية التي كانت تتنامى في الغرب والأناشيد الهتلرية والفاشية.. والتي تطورت في القرن العشرين الى صدام الحضارات وصراع الحضارات على أيدي أشهر (مثقفي الصراع) (هنري كيسنجر) و(صمويل هنتجتون) و(أوليفر بادريون) و(ايموس بيرلوتز) وجوناثان وتوماس فريدمان... وغيرهم.
في مقابل أصوات في الغرب على درجة كبيرة من الوعي تعد نموذجا لما يسمى (مثقف الحوار) كانت تنادي بالحوار والتعاطف مع (حركة النهوض الإسلامي المعاصرة)، مثل المفكر والفيلسوف الفرنسي الكبير الذي اعتنق الإسلام منذ سنوات (روجيه غارودي) ومن أشهر مؤلفاته (وعود الإسلام) و(من أجل الحوار بين الحضارات)، والكاتب (مارشال هدجسون) الذي دعا في كتابه (مغامرة الإسلام) الى تصحيح الصورة الذهنية الخاطئة التي يحملها الغربيون عن الإسلام، والكاتبة الألمانية المستشرقة (أنا ماري شمل) التي كتبت عشرات الكتب التي مجدت الاسلام والمسلمين، وعدد كبير من الصحفيين مثل (جون بلجر) و(جوزف سوبران) و(رالف ريكو) والمفكر السويدي (كينيث ريتزن) مؤلف كتاب (الإسلام وأوربا مواجهة أم تعايش) وكما كان للرئيس الألماني (رومان هيرتسوج) رؤية مستنيرة عن الاسلام والمسلمين عبر عنها في كتابه (الحيلولة دون صدام الحضارات: استراتيجية السلام للقرن الثاني والعشرين) الذي صدر عام 1999م، وربما أحد لا ينسى ما صرح به (ميشيل ليلونج) عضو جمعية الحوار الاسلامي التي أنشئت في باريس عام 1992م في كتابه (ما أنزل الله) والذي دعا فيه إلى تغيير النظرة المغلوطة عن الإسلام وطالب بقراءة القرآن والتمعن فيه بشكل موضوعي وطلب من الغربيين احترام المسلمين وتبجيل عقيدتهم.. كما أن أحدا لا ينسى ما قاله رئيس أساقفة مدينة ليون الفرنسية (لوري ماري بييه) في 17 سبتمبر 1998م عندمار زار جامع ليون قائلا (إنني جئت أقدم احترامي لكل المؤمنين بالإسلام).
إن الإسلام حوار وشراكة بين البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم وانتماءاتهم قال تعالى في محكم كتابه الكريم {وّجّعّلًنّاكٍمً شٍعٍوبْا وّقّبّائٌلّ لٌتّعّارّفٍوا} [الحجرات: 13]
، كما أمرنا الإسلام بمواجهة من يعادينا ويهدد أمننا واستقرارنا بإعداد العدة له وعدم الضعف والخنوع في مواجهة الأخطار التي تتهددنا وتهدد ديننا وأوطاننا قال تعالى {)وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (لأنفال:60)
كما حثنا الإسلام على السلم مع من يبادر بالسلم معنا بقوله تعالى: {(وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (لأنفال:61)
ولكن قدم الله سبحانه وتعالى الآية 60 على الآية 61 ليوضح لنا عز وجل أهمية القوة للمسلم لأن من يكون في موقف القوة والاستعداد يرهب عدوه ويجعله يحسب له ألف حساب وذلك سبب جوهري يجعل العدو يجنح للسلم، كما ربط الله بأن يجنح المسلمون للسلم تجاوبا مع مبادرة الآخر بالسلم أولا، وهذا يعني ألا نقدم سلما مقدما لعدو لم يظهر أو يبرهن على حسن نيته ورغبته الحقيقية في السلم، فنبدو أمامه بلهاء وضعفاء ومنهزمين، نحن في حاجة ماسة للتمعن في كتاب الله، الذي هو منهج رباني صالح لكل زمان ومكان، فالله يريد المؤمنين أقوياء لا ضعفاء، منتصرين لا مهزومين... وإن كان البعض في الغرب يعيب على مناهجنا، فالمناهج التعليمية في الغرب حافلة بالصور النمطية السلبية المرسومة عن الاسلام والمسلمين، والتيار الغالب في الاعلام الغربي لم يكف عن ممارسة التشويه ولم يتوقف عن تعميق الفجوة بين المسلمين والغرب، ناهيك عن العداء الذي لم نشهد له مثيلاً لدى الاجنحة المتشددة من صناع القرار في الغرب وفي أمريكا على وجه الخصوص ومن يقف خلفها من منظرين (ابتداء بالرئيس بوش الذي أطلق مصطلح الحرب الصليبية CRUSAD ساعة اعلانه مشروع الرد على ما يسمى الارهاب مما اثار غضبا إسلاميآ كبيراً وجدلا في الغرب مروراً برئيس وزراء إيطاليا (بيرلسكوني) الذي وجه قذفا وهجاء لاذعاً للحضارة الاسلامية، وغيره من الكثيرين في الغرب الجهلاء بالاسلام، وصولا الى الجنرال الأمريكي ويليام بويكين نائب وكيل وزارة الدفاع لشؤون المخابرات الذي نشرت عنه وكالة رويترز تقريراً منذ أيام معدودات يتناول ما بثته شبكة (ان بي سي نيوز) في شرائط فيديو وهو مرتد زيه العسكري في احدى الكنائس بأمريكا ويتحدث عن الاسلام والمسلمين قائلا: (انهم عدو روحي يدعى الشيطان، وإلهنا حقيقي بينما إله المسلمين فهو مجرد وثن...) وبدأ رامسفيلد في الدفاع عنه باستماتة لأن ما صرح به ويليام بويكين ما هو إلا هفوة لما يضمره رامسفيلد وباقي الصقور في أمريكا واليمين المتشدد في الإدارة الأمريكية.. إن هذه التصريحات والهفوات لا تصدر إلا عن أفكار عدائية متطرفة.. وأخطر ما فيها أنها تعكس حقيقة ما يضمره لنا صناع القرار في أمريكا..
هذه الأمور لا شك تعمق الاحساس بالكراهية والمرارة وتدفع بالكثيرين في عالمنا العربي والاسلامي إلى الاعتقاد بأن الحوار مع الغرب، وحوار الحضارات، ما هو إلا وهم ومجرد ذر للرماد في الأعين...وهذا كله لا يسقط عن العرب والمسلمين مسؤولية عجزهم عن حماية الإسلام والمسلمين من الاساءة المتكررة، لأننا في أمس الحاجة الى (مثقف الحوار)، وفي أمس الحاجة إلى النقد الذاتي وهذا يعني حواراً صادقاً مع الذات، يتحرر فيه المسلمون أولا قبل غيرهم من جميع الأخطاء في مجرى علاقاتهم الداخلية من مواقــف وأفعال وفــي مراجعة الكثـــير من خطاباتهم وسلوكياتهم ومواقفهم السياسية والاقتصادية والثقافية من أجل نصرة الإســـلام أولا ومــن أجل كبح جماح القوى المتغطرسة ثانياً..

عضو الجمعية السعودية للإعلام والاتصال.
فاكس: 6066701-02
ص.ب 4584 جدة 21421

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved