كتب أحدهم ممن قد تطير بطرحه ركبان من شياطين الإنس والجن مقولة غريبة أكد من خلالها أنه إذا ما وصل الحال بأي أمة إلى أن تتعرض إلى تهديد لكيانها بسبب الأيديلوجية التي تتبناها، فإنه يتعين عليها أن تضحي بهذه الأيديلوجية من أجل حفظ تماسك هذا الكيان واستقراره. وفي رأيي أن مثل هذا الطرح المجازف بعيدا ًعن أي قواعد شرعية أو منطلقات علمية في السياسة والحكم يعد طرحاً غير رشيد لا يمكن أن يقول به عاقل فضلاً عمن يدعي العلم والفكر. إن من المعلوم بداهة أن أي نسق سياسي أو اجتماعي وكلاهما ملازم للآخر يحتاج إلى عنصر محوري جمعي يؤلف بين مكوناته في بوتقة متفاعلة متوحدة تلتف حول هذا العنصر الأساسي الذي قد يكون أيديلوجيا سماوية أو أرضية مادية. وكلما كانت جاذبية هذا العنصر الأيديلوجي أكثر قابلية وقوة للتوحد والاجتماع كانت أحرى بتحقيق استدامة الكيان ورسوخ وحدته واستقراره، والتاريخ بجميع أحداثه وتقلباته خير شاهد على صدق ما تقول. إن من يطرح فكرة أو يدلي برأي مهما كانت حصافته ودقة نظرته فيما يظن ويظن بعض الناس، خاصة في زمن الفتن والأخطار المدلهمة التي تهدد كيان الأمة ومقدراتها، إذا لم تكن منطلقاته مبنية على منهج سليم ينسجم مع مبادئ الأمة ومنطلقاتها الحضارية تصقله رؤية علمية عميقة وشاملة مع اخلاص متجرد، فإنه لا محالة سيكبو ويقع في طوام ومزالق لو قدر لها أن تسمع فستجر الأمة إلى الهاوية. إنه لمن الوهم الخطير الذي لا يقتصر أثره الضار على صاحبه أن يصل بعضنا إلى تصور مبني على حكم متسرع بأن المنهج الأيديلوجي العقدي خاصة الإسلامي الذي هو أفضل نظام عقدي أيديلوجي على وجه الأرض والذي قام عليه الكيان في هذه الأرض المباركة والذي تحقق من خلال الالتزام به انجازات مشرقة على مر التاريخ الإسلامي، قد أصبح وفق هذا الطرح السقيم هو الذي يهدد الكيان بالفناء بدلاً من أن يكون عامل قوة ودفاع في وجه كل الأخطار التي تحدق بنا.إن قياس وضعنا بأيديلوجيات وضعية فاسدة كحالة الاتحاد السوفيتي قياس فاسد ينم عن قصر نظر لا يدرك الفوارق والمآلات في كلا النموذجين. وان الاستجابة أو حتى القناعة بمثل هذه الأفكار لا يبشر بخير. وينبغي أن ندرك أن خيارنا الحتمي وبلا أدنى شك لا ينفك عن التمسك الواثق بالعقيدة الإسلامية الراشدة التي تمثل صمام الأمان في استمرار تماسكنا وقوتنا مهما أرجف المرجفون وشكك الموتورون. إنني أعتقد جازماً ولا اخال ولاة الأمر أيدهم الله على الحق إلا يدركون هذه الحقيقة المتمثلة في أن أي انفكاك لا قدر الله بين الكيان وبين العنصر الأساس الذي قام عليه وهو العنصر الأيديلوجي الإسلامي تحت وهم السلامة من المهددات التي تحاصرنا، سيكون أمنية للمتربصين بنا بأنه قد آن لهم العمل على اضعاف الكيان والتفكير في سهولة السيطرة عليه وتفكيكه. إنه ومن خلال أحداث التاريخ وسيره يثبت لنا أن ما من أمة يضعف تمسكها بالمنهج والعقيدة التي قام عليها كيانها إلا أضحت في مهب الريح وعرضة للتآكل والاضمحلال، فما بالك بأمة تحمل عقيدة أيديلوجية سماوية تمثل الحق الوحيد بين ضلالات وظلمات دامسة تحيط بالعالم. إننا حينما نشتد في الرد على ما يساهم في تقويض حصون كياننا من حيث يدري أو لا يدري بطرحه الفاسد، لا نغفل الواقع الداخلي والاقليمي والدولي بكل أحداثه وتناقضاته ومتغيراته بل نرى أنه من الحكمة وسياسة الرأي أن نتعامل مع كل ذلك بما يحقق مصالحنا الآنية والمستقبلية ويعزز تماسكنا وقوتنا ويجنبنا صولة المتهورين وصلف قوة المعتدين. وهنا تتوفر لنا دائرة واسعة ورحبة نستطيع من خلالها العمل المتنوع في أساليبه وبرامجه بما يحقق أهدافنا دون أن يصل بنا الأمر إلى أن نضع أنفسنا في زاوية ضيقة وتحت خيارات محدودة تحت وهم هاجس الضعف وفقدان الثقة بالمنهج الذي نتبعه فيدفعنا ذلك لتنازلات قد تكون مآلاتها غير المنظورة عوامل هدم واضعاف لنا من حيث لا نشعر في مقابل سطوة وقهر وصلف العدو المتربص والذي مهما بالغ في اظهار قوته فإنه لا ينفك عن ضعف ملازم للجنس البشري خاصة إذا خالف أمر الله وتنكب الطريق وظلم وبغى على بقية الخلق فإن ذلك مؤذن بهلاكه وتراجع قوته. إذ الظلم مرتع وخيم عواقبه المزلزلة عاجلة وفق ما دلت عليه نصوص الوحيين وعبر التاريخ. والذي ينبغي أن نفعله هو أن نساهم ولو بموقف سلبي إذا لم يكن بمقدورنا الفعل الايجابي مع الخيرين في العالم وهم كثر في رد عدوان هذا العدو الصائل المتغطرس والعمل علي اضعافه وافشال مخططاته الشريرة بدل أن نكون معول هدم بطرح رؤى وأفكار غير رشيدة ومع اصرارنا على الدعوة للتمسك بالثوابت وعدم المساومة على المنهج إلا أن ذلك لا يتعارض بأي حال مع طلب الحق والمعرفة إذ هو لا يعني الجمود والتقوقع على الذات في ظل عالم سريع التغير والتفاعل المتبادل، بل ينبغي أن نسارع الخطى في الاستجابة لدواعي الإصلاح والتطوير الملحة وفي جميع المجالات بما يلبي متطلبات هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها أمتنا وبلادنا على وجه الخصوص، دون أن يكون ذلك على حساب التفريط في أي جزء من نسقنا العقدي الذي يعد آخر سهم نلوذ به في مواجهة الأخطار المحدقة بل مقتضى الحال يدفعنا للعض عليه بالنواجذ كمشروع حضاري ملازم لهذا الكيان يمده بزاد القوة والنمو بعيداً عن شطحات الغافلين ونبوءات المتعالمين الذين قد يعجبك قولهم وهم ألد الخصام.. والله الموفق
|