هل ستصدق فيما لو قيل لك إن هناك جامعة للحفاة..؟!.. وأن اسمها أيضاً هو جامعة الحفاة؟
نعم فهذه الجامعة حقيقية وقائمة منذ عام 1972م، وقبل ان نتحدث عن تفاصيلها دعوني أولاً أمهد لذلك باستعارة ما قاله الدكتور امارتيا سين، الهندي الجنسية والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد عام 1998م كذلك رئيس جامعة ترينتي كامبرج..، حيث ذكر ما معناه إن تراكمية العلم تعني التشارك بين بني البشر في فصول البذور وفي مواسم الحصاد. وحين يكون العلم كذلك فهو لا يصح ان يكون سلعة تباع وتشترى من حيث إن التنمية بشرية أولا وأخيراً عليه فهي ليست مجرد تراكم فج لرؤوس الأموال بل هي في حقيقتها تحرير للإنسان من ثالوث الفقر والجهل والمرض، وبما ان العلم هو العامل الحاسم في الوقاية من هذا الثالوث فمن الواجب جعله متاحا للجميع بدون أي مقابل مادي. ومن مضامين هذا القول ما يتمثل في حقيقة قصور النظام العالمي لحقوق الملكية الفكرية وبراءة الاختراع حيث انه باسم هذه الحقوق الفردية يتم شرعنة سلب الحقوق الجماعية. فحقوق براءة الاختراع لا تعترف بتراكمية العلم وبأنه حق مشاع للجميع..، وفي هذا المنحى يجوز القول بأنه من حسن حظ البشر انه ليس لجداول الضرب براءة اختراع وإلا لحرمت معظم البشرية مِنْ مَنْ تعلم طرائق العد والحساب.
في ضوء ما سبق من مرئيات تم تأسيس جامعة الحفاة «Tiloniaصs Barefoot University» بقرية تيلونيا الهندية وذلك في عام 1972م، وقد أنشأها أهل القرية بموارد بسيطة ليهب كافة المتعلمين من أنحاء البلاد لدعمها حيث قدم إليها من كافة أنحاء الهند ما يقارب من 487 دكتورا للتدريس بها بل وعملوا على تزويدها بالطاقة الشمسية وأقاموا لها خزانات مائية ضخمة لاستغلال مياه الأمطار لصالح القرية والمراكز الواقعة بالقرب منها. والجامعة هذه ليست تقليدية أبداً، فلا فصول دراسية أو قاعات للمحاضرات بل لا أحد بمقدوره ان يميز بين الطالب وأستاذه من حيث ان الكل سواسية. وهكذا وعلى الرغم من بداياتها المتواضعة فهذه الجامعة تضم الآن مهندسين للطاقة الشمسية ومعماريين وميكانيكيين ومحاسبين وأطباء وخبراء كمبيوتر ومن في حكمهم. وكل هؤلاء كما يذكر المؤلف المذكور من الحفاة الذين استطاعوا ان يجعلوا من هذه الجامعة منارا واشعاعا للعلم والمعرفة الأمر الذي مكنها من تقديم خدماتها لما يقارب من مائة قرية أخرى حيث تم إنشاء فروع علمية لها لرعاة الماشية وللعاطلين وذلك لتمكينهم من اجادة الحرف اليدوية وتزويدهم بالوعي اللازم صحيا وعلميا وماديا.
لكل هذه الأسباب نجحت هذه الجامعة في رسالتها نجاحا باهرا.. أما سبب الأسباب.. السبت الرئيس في نجاحها فيلخصه مدير الجامعة «الحافي نفسه» بقوله: «بأنه يكمن في حقيقة كون هذه الجامعة قد تعاملت مع المشكلات التي يواجهها الفقراء من وجهة نظرهم هم.. لا من وجهة نظر «الخبير العالمي» الذي ينظر إلى الأوضاع المحلية بعدسات خارجية»...
... الآن فقط عرفت معنى المثل الذي طالما رددته على أسماعي والدتي الحنون وذلك هو: «ما هان تبارك».. أي رغم قلته زرعت به البركة..
هامش:
«انظر: أمارتيا سين. «علم الأخذ والعطاء»، ترجمة ايهاب محمد، مجلة الثقافة العالمية، العدد 118، «مايو يونيو 2003، ص ص 74 - 158».
|