شهدت الكويت مؤخراً معرضاً خاصا لاعمال العراق شاركت فيه أكثر من 70 شركة من 35 دولة، وقد استحوذ قطاع البناء والتشييد على 45 بالمائة من المعرض الذي بنى على الأقل بأن ترى كل شركة نفسها وقد فازت ولو بعقود من الباطن لنيل جزء يسير من المليارات التي لم يتضح بعد مصدرها.
ان حقول النفط بالعراق تنتج كميات تزيد عن مليون ونصف المليون برميل يوميا ومن المتوقع ان تزيد كمية الإنتاج عن مليونين وسبعمائة الف برميل بعد تطوير أداء تلك الحقول وهذا يعني ان هناك اكثر من 70 مليون دولار يوميا تصب في الخزانة الامريكية واذا كانت هناك انباء تتردد بأن الولايات المتحدة سوف تضخ اكثر من 16 مليار دولار لإعمار العراق خلال السنوات الثلاث القادمة الا ان ما تؤكده الانباء أن البنية الأساسية التي دمرتها الولايات المتحدة أثناء ضربها للعراق تزيد عن 200 مليار دولار خاصة تلك الخسارة الفادحة التي لا تقدر بثمن والمتمثلة في الآثار والمتاحف والمخطوطات التي تحكي تاريخ العراق فهناك بعض التحف والمخطوطات تتعدى أسعارها ملايين الدولارات الى المليارات.. واذا كانت الولايات المتحدة تعد وفق القانون الدولي وريثا شرعيا للحكومة العراقية من حيث الالتزامات الدولية والديون الخارجية.
هناك ديون تزيد عن 50 مليار دولار للمملكة والكويت فقط دون سائر دول مجلس التعاون الخليجي. وهناك ديون تزيد عن 50 مليار أخرى اضافة الى غرامات مالية نتيجة الحرب العراقية الايرانية وغزو العراق للكويت والوريث الشرعي مكلف بتنفيذ هذه الالتزامات المالية دون قيد او شرط. لان تغير الحكومة في اي بلد سواء بانقلاب عسكري أو بايعاز استراتيجي لا يعني الغاء الالتزامات التي تمت في ظروف طبيعية. فالعراق لم يدخل في حرب على ايران تحت ضغط سياسي. كما لم تدخل قواته الكويت باجماع دولي فالحروب نتيجة اطماع لم تكن مؤيدة بالقوة الكافية لتحقيقها لذا كان لابد من الزام العراق عن طريق القوانين الدولية بتحمل التكاليف والنفقات والخسائر لهذه الحروب الخاطئة.
والولايات المتحدة الامريكية الآن هي من استولى على الارض وأقام السلطة وعين رجالات ونساء مجلس الحكم المحلي فهي الآن كدولة محتلة ملزمة دوليا بتسديد الديون المترتبة على هذه الدولة بغض النظر عن امور الاحتلال وسلبياته.. ذلك لان ايجابياته بالنسبة لامريكا اكبر بكثير من تلك السلبيات التي لا يعاني منها الا العراقيون وحدهم.
الجولة الامريكية لوزير خارجيتها الأسبق لخفض الديون او شطب جزء كبير منها لا تحمل اية ايجابيات للدول الدائنة لان الحديث الامريكي عن العراق والديمقراطية لم يعد مقنعا فقد وجد العراقيون أنفسهم في ظل الاحتلال وهم يتجهون الى وضع سيادي يعود تاريخه الى ايام الدولة العثمانية والاحتلال البريطاني حتى منتصف الثلاثينات فشيوخ القبائل والعشائر ومرجعيات الملل والنحل ستعود من جديد لحكم العراق. اما الرجال والنساء الذين يرتدون الزي الغربي ويجلسون على الطاولات المستديرة والمستطيلة في قصور ومؤسسات الحكم فهم مجرد رسل يقومون بدور الترجمان بين المحتل وحكام العشائر والقبائل والاديان والمذاهب والعرقيات.
هذه هي الدولة العراقية الجديدة. والديمقراطية تعني حرية امتداد التفوق لهذه الفئة او الطائفة وتحقيق ادنى قدر من العدالة في ظل دولة متعددة الاديان والطوائف والملل والعرقيات.
ان نظام الحكم في العراق ماليا غير قادر على الظهور بشخصيته الاعتبارية فأعضاء مجلس الحكم لا يمكن ان يحققوا اي وضع سيادي لان المحتل هو الذي قام بتعيينهم.
ان على الدول الدائنة للعراق أن تشكل مجلسا خاصا للتفاهم مع المحتل الجديد للعراق لدفع كامل الديون دون أدنى قدر من التحقيق. بل لابد من حساب دقيق لكل فوائد الديون والولايات المتحدة وبريطانيا اتحاد قادر على تسديد هذه الديون كاملة وبفوائد مركبة ايضا.
ان تخفيف الديون المترتبة على العراق خوفا او طوعا سيكون له نتائجه السلبية على خريطة الشرق الاوسط فالعراق ليس هو البلد الوحيد الذي سيناله الاحتلال فهناك الاراضي الفلسطينية، والرهان على سوريا وغيرها من أقطار الشرق الاوسط فإذا تعاون المجتمع الدولي مع المحتل بتمكينه من الثروات وشطب الديون والغاء الالتزامات، فذلك دليل على رغبة المجتمع الدولي في التخلف. فسوف تنتهي مؤسساته الى الافلاس المعنوي والمادي وعندئذ تبدأ سلسلة المنافسات على احتلال الدولة الكبرى للاصغر وهكذا تعود عجلة الزمن الى الوراء تاركة وراءها الكثير من الاوضاع غير المأمونة.
إن اغراء الدول الدائنة للعراق بمساهمات في برامج الإعمار ومشروعاته انما يعد بعد قبيل الإغراء الاكثر فشلاً والحيل الاكثر ضعفا. اذ ان الوضع الجغرافي للدول المحيطة فالعراق يفرض على الشركات التي ستنال حظا وافراً من مشروعات الاعمار ضرورة التعامل مع الدول المجاورة وذلك لتوفير الكثير من الجهد فنصيب الشركات الخليجية في الاعمار قادم لا محالة مهما كانت العراق التي ستوصل الى تلك المساهمة. لذا فليس من الضروري أن تكون الديون ثمنا للمنافسة والدخول في سوق الاعمار في العراق الذي تظهر فيه ارقام هائلة ومصادر مجهولة لتلك الارقام. فهل نحن الآن في انتظار قصة ذات سيناريوهات اكثر غموضا في طريقة تحصيل تلك الارقام..
|