هناك عدد كبير من الدراسات التي أجريت خلال ربع القرن الأخير عن طبيعة العلاقة بين القوة والهيمنة العسكرية وإمكانية استخدامها أو التهديد باستخدامها من جهة وبين العديد من المتغيرات الاقتصادية والسياسية المحلية والخارجية من جهة أخرى.
كما ناقشت هذه الدراسات المكاسب المتوقعة للهيمنة الأمريكية على العالم على الصعيد المحلي. وربما بناء على هذه الدراسات اصبح استخدام هذه القوة أو التهديد بها من حين لآخر أحد مكونات السياسة الاقتصادية الأمريكية. فما إن تفشل الأدوات التقليدية في حل المشاكل الاقتصادية المحلية حتى يتم اللجوء إلى هذه الأداة والتلويح بغزو بلد معين أو غزوه فعلاً لعل في ذلك خلاصاً من هذه المشاكل أو على أقل تقدير إشغال المجتمع الأمريكي عن التفكير فيها مؤقتاً وإلهاؤه بما يصور له على أنه تهديد خطير لكيانه وأمنه الوطني، ومن ثم تمرير الكثير من القرارات والسياسات الخادمة لفئات معينة على أنها متطلب ضروري لمواجهة الظروف الحالية غير الاعتيادية.
ومن واقع دراسات متخصصة وجد أن المجتمع الأمريكي يكون أكثر تضامناً ووطنية عندما يقتنع بوجود تهديد كبير، وأن شعبية الرئيس الحالي ترتفع خلال هذه الأزمات مهما كان أداؤه في الأوقات العادية.
وبناء على رأي بعض المدارس الاقتصادية فإن المجتمع يمكن أن يخدع أو ينخدع في المدى القصير بأشياء وسياسات معينة ويتخذ قراراته بناء على تصور غير دقيق لطبيعة المرحلة وملابساتها بدون إدراك منه لما قد يترتب على هذه القرارات من نتائج في المدى الطويل. ولكن ما أن تتكشف الحقيقة ويستوعب المجتمع طبيعة المشكلة وظروفها حتي يبدأ في تغيير قناعاته وبالتالي يأخذ في مراجعة قراراته السابقة وتقييم جدواها، لكن هذا عادة ما يتم في المدى الطويل. وقد فطن الاقتصاديون والسياسيون لهذه الإشكالية لدى المجتمع فأحسنوا الاستفادة منها في حالات عديدة.
وبناء على ما سبق فإنه يمكن تفسير بعض السياسات الأمريكية الاقتصادية وغير الاقتصادية الغريبة وفهم حيثياتها. فالحكومة الأمريكية ورغم الظروف الصعبة التي يعيشها الاقتصاد الأمريكي المتمثلة في العجز المتنامي في الميزانية الحكومية، والحاجة الملحة لمزيد من الإنفاق على برامج الرعاية الاجتماعية والتعليم والصحة والإعانات المالية المحلية ومساعدة حكومات الولايات والحكومات المحلية فقد قررت الحكومة تخصيص مليارات الدولارات على برامج جديدة لغزو الفضاء.
وإن كانت الدراسات السابقة التي أجريت عن غزو أمريكا للعالم أو التهديد به وآثاره الإيجابية علي الاقتصاد الأمريكي لم تأخذ في الاعتبار إلا الغزو على الأرض- حسبما أعلم- فإنه من المناسب الآن البحث عن الفوائد والآثار الإيجابية الاقتصادية التي يمكن لغزو الفضاء أن يتيحها للاقتصاد الأمريكي وتقييم جدوى هذا الانفاق في ظل وجود حاجات مجتمعية أكثر إلحاحاً.
وبناء على فكرة أن المجتمع الأمريكي يكون أكثر تضامناً وتأييداً لقرارات وسياسات إدارته خلال الأزمات، فإنه يمكن تبرير هذا التصرف تحت دعوى متطلبات المرحلة الحالية. وربما كان بعض من شرائح المجتمع الأمريكي واقعاً تحت تأثير أفلام ومسلسلات هوليوود والتي تصور العالم وكأنه مهدد من قبل قوى شريرة يعيش بعضها بيننا والآخر في الفضاء، ولابد من وجود حراس للأرض يحمونها من هذه القوى وعلى نفس طريقة الأفلام الأمريكية فلابد أن يكونوا أمريكيين.
| 
