كاد الأمل يتلاشى في امتلاكي إذاعة تبث على الرياض ومحيطها. ولكن التغيرات القائمة الآن أعادت لي الأمل. إذا حدث وأن أتيحت لي الفرصة لامتلاك إذاعة فسوف أتوقف عن الكتابة وأتحول إلى مذيع ومعد برامج وربما مطرب. أنا على ثقة أن إذاعتي سوف تنجح وتحقق أرباحاً طائلة. سأعيد كتابة التاريخ الفني لمدينة الرياض. فالرياض القديمة (رياض الستينيات) تستحق أن تكون لها إذاعة.
هناك رجل يدير دكاناً في الحلة لبيع الأغاني القديمة. يملك مخزون الرياض والمملكة من التراث الغنائي الفني ما يكفي لتزويد إذاعتي بكل الأغاني التي أحتاجها لفتح ملف الأيام القديمة. حاولت شراء كل الأغاني التي يملكها ولكنه طلب مليوني ريال. في البداية ظننت انه يمزح. كنت على استعداد أن أدفع له مئة إلى مئتي ألف ريال. وبعد أن تحققت من مخزونه رأيت أنه يستحق أكثر من مليونين. لا أبالغ إذا قلت إنه يملك أكثر من عشرة آلاف أغنية مازالت في شكل خزنها القديم. أسطوانات بلاستيكية. والرجل هو نفسه متحف. لا يمكن لي أو لأي من جيلي أن يدير هذه الأغاني دونه. فهو يحفظ كل أسماء الفنانين وتواريخ الأغاني والقصص التي صاحبت صدورها كما يحفظ تاريخ الشوارع الخلفية لمدينة الرياض القديمة حيث يصطخب الفن من وراء الواجهات المحافظة.
في كل مرة أشعر بالحنين لأيام الطفولة أذهب إليه وأتلكأ في دكانه كأني أفتش عن أغنية معينة وأنا أوجه له الأسئلة الحائرة في وجداني الفني. يجيبني بعفوية ولكن بعمق. فأشتري الأغاني المربوطة بحكاياته. ما الذي حدث لفناني تلك الفترة. موت هذا ورحيل ذاك وأسباب توقف الآخر عن الغناء. لم يكن هناك أي مصدر لمعرفة ما كان يجري حينها. كانت الاشاعات هي الصحيفة الوحيدة التي نعتمدها لمعرفة أخبار الفنانين. اختلط كثير من الأخبار بالأساطيرالساذجة. عندما أخرج من محله أشعر أني عدت سنوات طويلة إلى عمق الماضي بحقائق جديدة فأعيد ترتيب وتصحيح ما كنت أعرفه على ضوء ما أفصح به. وطالما أني مرغم أن أسير عبر شارع الشميسي الجديد مرورا بشوارع الظهيرة والسويلم والعطايف، حتى أصل إلى طريق الملك فهد فليس أمامي سوى استكمال حكاياته بسماع الأغاني التي اشتريتها منه على هذه الخلفية البصرية التاريخية.
أول أغنية سمعتها بشغف وجداني هي أغنية (أيه ذنبي ليه بس يا أسمر) للفنان الراحل عبدالله محمد. كانت أغنية الموسم عندما صدرت لأول مرة. فجرت هذه الأغنية إحساسي بالفن. دفعتني للعودة إلى ما كنت أستمع إليه من أغاني الرياض دون انتباه عاطفي. ربما لأني دخلت المراهقة وحانت ساعة احتياجي للغناء حتى أتزود بالوقود اللازم للانخراط في عالم الحب والمحبين. بعدها بدأت أتحسس أن هناك فنانين كباراً مثل ابو سعود الحمادي وسالم الحويل وابو حيان وصليح الفرج وفتى الجلبين ثم سعد إبراهيم وابن سعيد وغيرهم.
الرياض اليوم لم تعد الرياض القديمة وربما تنقطع الصلة بعد جيل أو جيلين عندها سنخسر كثيرا. سنكسب مدينة حديثة وعالمية ولكن بلا جذور عاطفية.
إذا فتح باب القبول لتأسيس الاذاعات انتظروا إذاعة رياض الستينيات ستستمعون لأحدهم يصدح بعوده وهو يردد: (وأنا ما ذبحني كود من بابهم برميل). عاش واقف.
فاكس: 4702164
|