Friday 6th February,200411453العددالجمعة 15 ,ذو الحجة 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أمراض خطيرة 1 ـ 2 أمراض خطيرة 1 ـ 2
د. محمد بن سعد الشويعر

يتبادر إلى ذهن الإنسان، عندما يذكر المرض، ما يتعلّق بالجسم حياً، وإذا اقترن هذا المرض بالخطورة، أو أي كلمة مخيفة، تسمِّر ذهن الإنسان، وبدأ يفكر قبل أن يقرأ: في الإيدز والسرطان والفيروسات التي طرأت في حياة الناس، وتخوّفوا منها، وصاروا يتابعون كل جديد في بعث الأمل للتخلص منها، كل هذا خوفاً من آثارها وتشبّثاً بالحياة.. «يكبر ابن آدم ويكبر معه خصلتان: حبّ الدنيا وطول الأمد».
لكن ما نتحدث عنه من الأمور التي يستخفّ بها بعض الناس ويتثاقل بعض العقلاء في معالجتها، حتى يكبر حجمها وتصبح مشكلة، قد رسخت جذورها، وتعمّقت عروقها..
وهذه الأمراض نوعان: اجتماعية، ونفسية.. ولا أعني بهما ما يبحثه علماء الاجتماع، وما يقنن له خبراء النّفس. فهذا ما لا يفيد في موضوعنا، خاصّة أن المختصين في هذين العلمين والمؤصلين لنظرياتهما ليسوا من المسلمين المتشبّعين بالعلاج الروحي المستمد من شريعة الله: القرآن والسنة.. بدليل أن ما يطرحون من حلول وما يضعون من نظريات تتبدل بين حين وآخر، وصدق الله العظيم: { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء: 82]. وسيكون حديثنا اليوم عن بعض الأمراض الاجتماعية، أما النفسيّة فإن ابن تيمية رحمه الله قد تحدث في رسالة من رسائله إلى مبعثها ومسبباتها، بما سمّاه: أمراض القلوب.. أخذاً من قوله تعالى: { فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} [الحج: 46] .
إن الأمراض الاجتماعية يموت منها اكثر ممن يموت من الأمراض المادّية الجسمانية، وتحدث آثاراً خطيرة وسيئة على الفرد والمجتمع: حاضراً ومستقبلاً.. وعلاجها موجود في صيدلية الإسلام، ووصفها سهل وميسر لمن يسر الله عليه، لأن هذا العلاج قد وصفه الله في القرآن الكريم، وبيّنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في توجيهات كريمة للأمة هي لهم منهج سلوك ودرب عمل، تتحقق نتائجها على الفرد والجماعة، المرضيّة المريحة في الدنيا، وأجراً مدّخراً في الآخرة.
هذه الأمراض قد برز في الآونة الأخيرة خمسة منها: هي الانحراف، والخروج على إجماع الأمة وولاة الأمر من حكام وعلماء، وتطرّف وغلوّ في الدين والعنف، الذي يتبعه الإرهاب.
وهذه الخمسة يغذيها أمراض أخرى لن نتحدث عنها وعن خطرها الآن، ولكنها عامل قويّ في تنشيط تلك الخمسة والدعاية لها، في قلب للحقائق، وتمويه على الجهّال والبسطاء وضعيفي الإيمان مثل: الغيبة والنميمة والكذب والبهتان وتزوير الحقائق.
فالانحراف الذي هو الميلان عن الحقّ: فيه مصادمة لأساسيات دين الإسلام، وتلبيس على أفكار الشباب، مما يعين على قلب الحقائق، وإشاعة الشرّ بغير هدف معيّن، وإنما من أجل الفساد والإفساد.
فمن انحرف وخرج عن اجماع الأمة عصى الله وعصى رسوله صلى الله عليه وسلم. وهذا يوجب العقاب من الله ومن ولاة الأمر، يقول صلى الله عليه وسلم: «من جاءكم وأمركم بينكم جميع يريد تفريق شملكم وتفكيك كلمتكم فاضربوا عنقه كائنا من كان»، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من مات وليس في عنقه بيعة لوليِّ الأمر مات ميتة جاهلية، ومن نزع البيعة لقي الله وهو عليه غضبان» رواهما مسلم في صحيحه.
فمثل هذه النصوص فيها تخويف وزجر لمن في قلبه نبضة ايمان حتى لا يسعى في أمر يبغضه الله ورسوله.
وأمّا ما يجرّ إليه الانحراف، من الاستهانة بأمر ولاة الأمر؛ من حكام وعلماء، ووصمهم بأمور أعظمها التّكفير واخراجهم من ملّة الإسلام حتى تخفّ مكانتهم من النفوس، ولتدبّ الفوضى في المجتمع، فهذا تعمّد في الشرّ والفساد، واستخفاف بالناس مع التّلبيس عليهم، ورسول الله الهادي البشير قد أخبر بأنّ من قال لمسلم: يا كافر، وليس كذلك، رجع كلامه عليه.
ولا شك أن التّّسرع في ذلك قولاً أو تصديقاً، أو اشاعة واستحساناً، من قلّة الورع والإيمان، ونقصٍ في الفهم لمبادىء الإسلام، وما يدعو اليه من درء المفاسد واغلاق المنافذ السيئة.
إذ ما أعظمها من فرية عند الله عندما يرمي الإنسان غيره بما ليس فيه، ثم يزداد الأثر عندما يتطاول القائل هذا لينال من وحدة الأمة الممثلة في قيادتها: الإدارية والدينيّة.
ولما كانت الأمة قد التأم شملها على قيادة حكمتْ شرع الله، وطبقت حدوده ورعت أمراً ونهياً الدعوة الى الله واهتمت بالحرمين الشريفين وأماكن العبادة وأمرت بالمعروف ونهت عن المنكر، وحرص علماؤها على بثّ ما منحهم الله من علم، تدريساً وافتاء، وفق ما قال الله وقال رسوله.. بدون زيادة ولا نقصان.. فكيف يأتي من يتجرأ على إخراجهم من ملّة الإسلام بهذه السهولة، والإسلام بمفهومه العام والخاصّ ليس سلعة تباع وتشترى، ولا بكلام يطلق جزافاً من قلوب مريضة، ولا بالتّحلي والتمني، ولكنه عقيدة وعمل ورابطة مع الله سبحانه.
الا يحكّم عقله من يقول بمثل هذا القول، إن كان له عقل، بما حصل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما قال رجل عن آخر كلمة هي أخفّ من مقولة هؤلاء: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله: «لقد أحبطت عمله وغفرت لفلان».. فأخبر الصحابة صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما في هذا من الجرأة على الله سبحانه..
فالانحراف يتحكم فيه الهوى، والمنحرف لميلانِهِ عن الحقّ ينساق لجهله لمن يوجهه، ويعميه هواه عن الانقياد لمثل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في قاعدة توجيهيّة للأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو: «لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله اخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يكذبه ولا يسلمه، كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه، التقوى ها هنا» وأشار إلى صدره عليه الصلاة والسلام ثلاثاً. وما حصل الانشقاق في تاريخ الدولة الإسلامية الاّ نتيجة الأهواء التي قاد إليها الانحراف، فدبّ الخلاف وبرزت الطوائف والخوارج، وفرح بذلك الأعداء، لأنهم كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيعون النّفاذ بين صفوف الأمة المسلمة إلا بواسطة من انحرف واتّبع هواه، فهم مطيّة الأعداء، وهم سبب الفتن والفرقة (للحديث صلة).
من انتقام النساء:
ذكر النويري في كتابه نهاية الأرب أن آخر ملوك اليونان «كلوبطرا كليوباترا» التي ملكت بعد أبيها بطليموس الحرب، وكانت حكيمة متفلسفة معظِّمة للحكماء، ولها كتب مصنّفة في الطبّ والزينة وغير ذلك مترجمة باسمها ومنسوبة إليها.
فلما أراد الله ذهاب ملك اليونانيين سلّط عليهم ملك روميّة أغسطس، فسار اليها، وكان له مع الملكة «كليوبترا» وزوجها حروب كثيرة، فقتل زوجها، فأراد ملك الروم أن يتزوجها لعلمه بحكمتها وليتعلّم منها، فراسلها فعلمت مراده منها، فطلبت حيّة تكون بالحجاز ومصر والشام، وهي نوع من الحيّات تراعي الإنسان حتى إذا نظرت إلى عضو من أعضائه قفزت أذرعاً نحوه، فلم تخطىء ذلك العضو بعينه حتى تثقل عليه سُماً، فيموت لوقته ولا يعلم ما خبره، فيتوهّم الناس أنه مات فجأة حتف أنفه، فاحتملت لها، فلما كان في اليوم الذّي علمتْ فيه أن أغسطس الملك يدخل في قصرها، أمرت بأنواع الرّياحين والزّهور أن تبسط في مجلسها وأمام سريرها.
وجلست على سرير ملكها، والتّاج على رأسها، وفرقت حشمها، وقرّبت يدها من الإناء الذي فيه تلك الحية، فضربتها فماتت لوقتها، وانسابت الحية في تلك الرياحين.
ودخل اغسطس حتى انتهى إلى المجلس، فنظر اليها جالسة على سرير ملكها، والتاج على رأسها، وهو يظنّ أنها باقية، فدنا منها فتبيّن له أنها قد ماتت.. فنظر الى تلك الرّياحين، فقفزت إليه تلك الحية، فرمته بسمّها وقد خفّ، فبطل شقّه الذي ضربته من جهته وانشلّ.
ولولا أن سمها كان قد نقص لمات، فعجب من قتلها لنفسها، وما كادت به من إلقاء الحيّة، وكانت «كليوبترا» هذه آخر من ملك من اليونانيين (نهاية الأرب 10: 254 ـ 255).
وقد جعل الله عز وجل كيد الشيطان ضعيفاً، وكيد النساء عظيماً في كتابه الكريم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved