شاء الله أن تكون منطقة الخليج من مصاب الأنهار في شط العرب وحتى التقاء المحيط الهندي بخليج العرب والفرس هي مستودع النفط والغاز اذ تشكل كل من إيران والسعودية والإمارات وقطر70 بالمائة من احتياطي وإنتاج العالم من الغاز في حين تشكل دول مجلس التعاون والعراق وإيران أكثر من ربع إنتاج واحتياطيات العالم من النفط وأمام هذه الطاقة الهائلة من النفط والغاز لا توجد سوق للطاقة في أي من هذه الدول فسماسرة النفط يضعون أمتعتهم عند المشتري دون البائع لأن نقاط البيع تحكمها مناطق النفوذ الأكثر ثراءً في هذا العالم.
لقد ظل سعر برميل النفط لا يزيد عن دولار ونصف الدولار حتى نهاية الخمسينات عندما كانت دول الخليج عبارة عن آبار نفط تغرف منها الشركات الأمريكية والبريطانية لتبيع الإنتاج في السوق وتترك الفتات للدول التي يفترض أن تكون مالكة النصيب الأكبر من ذلك الإنتاج. لكن السوق لم تكن مضمونة الأجواء فقد دخلت في تكوين سياسة البيع رجالات ومؤسسات وشركات وحكومات رأت ان الاحتكار قد طال أمده وإذا لم تسمح الشركات الأمريكية والبريطانية بشركاء جدد وإلا فإن نذير التغيير قادم لا محالة ولم تكن المهلة كافية للتفكير واتخاذ القرار فقد تم توزيع أدوار التغيير ووصلت الرسالة إلى الدول المنتجة، وقامت منظمة الدول المصدرة للبترول أوبك وبدأت أسعار النفط بالتصاعد ووجدت السوق نفسها بحاجة إلى أرقام أكثر منها إلى أدوار جديدة.
وإذا كان عام 1974م هو عام حرية أسعار النفط فإن عام 1983م هو عام توازن الحريات بين سعر البيع وكلفة الإنتاج. في حين يعد عام 1996م عام ظهور الغاز الطبيعي سلعة قادرة على المنافسة ليكون أحد خيارات الطاقة لا أن يكون بديلاً عن النفط.
في وسط آسيا سلسلة وهمية من الأنابيب تمتد عبر طريق الحرير من أذربيجان وحتى ميناء جيهان التركي مروراً بكازاخستان وجمهورية تركمانستان وعندما يتم رصد الطريق إلى البحر المتوسط تكون كلفة برميل النفط قد زادت عن 7 دولارات للبرميل. وعندما يتم ضمان عدم تذبذب أسعار النفط على مدى عشرين عاماً فإن كلفة البرميل سوف تنخفض الى 4.5 دولارات للبرميل. وعندئذ سيكون نفط آسيا الوسطى قابلاً للمنافسة بشرط أن يكون نفط الخليج في هدنة طويلة على مدى العقدين القادمين.
لكن مسار الأحداث لا يخدم وجود أثرياء جدد في سوق النفط. فقد تمكنت الولايات المتحدة من نفط العراق في محاولة جادة للسيادة على تحركات سوق النفط، وإذا كانت الأوضاع هادئة إلى هذا الحد الذي يمكن السيطرة عليه بعض الوقت إلا أن المجموعة الأوروبية قد لا تجد لها نصيباً مفروضاً في هذه الغنيمة. كما أن روسيا الاتحادية والصين لا يمكن أن يحتفظا بالحياد أمام أخطاء وتحولات قد تفقدها مواقع مهمة ينتج عنها تباطؤ في النمو الاقتصادي لروسيا خاصة أن الروس بحاجة إلى استقرار أسعار النفط لضمان دخل قوي قادر على تحقيق الكثير من المكاسب.
سوق النفط لا توجد لها مداخل أو بوابات يمكن حصر زائري هذا السوق من خلال جهات الرصد فمؤشر سوق النفط مفتوح لكل تطورات غير متوقعة ولعل من أبرز المستجدات المنتظرة ذلك الوضع المتباين في أحوال السوق بين الدول المنتجة والدول المستهلكة والذي عادة ما يظهر بعد تبدلات استراتيجية تغير خريطة مسارات أسعار النفط.
لذا فإن تدابير عاجلة سوف ينفذها المنتجون للنفط لضمان أجواء مستقرة في السوق ولعل من أبرز هذه التدابير تخفيض سعر البرميل إلى 12 دولاراً للبرميل على مدى العشرين عاماً القادمة وتركيز التعاون التجاري وتبادل السلع والمنتجات الصناعية مع الأسواق الأقل تكلفة وهي أسواق آسيا والصين وروسيا الاتحادية ودول أوروبا الشرقية إذا احتفظت بطابعها الاشتراكي في تعاملاتها الاقتصادية. وعندما تنفذ دول الأوبك برامج صناعية في المجال العسكري مع الصين وروسيا فإن هاتين الدولتين سوف يكون لهما الشأن الأكبر في هذا القرن إذ ربما تضطر الولايات المتحدة الامريكية عنوة للانسحاب من الخليج تاركة خلفها آمالا كان يمكن أن تتحقق وسط سلوكيات مرضية لدول المنطقة آخذة في اعتبارها توازنات السوق وإمكانات تدخل الآخرين الذين هم على درجة من التأثير والرغبة في زيادة النفوذ والانتشار.
إن الحالة الأمنية لخط النفط الآسيوي قد يرفع سعر تكلفة النفط على المدى القريب فإذا ارتفعت تكلفة الإنتاج بفعل استمرار تكاليف أمن خط يصل طوله إلى ألف وسبعمائة كيلومتر سيكون له أثره الفعّال على تحديد سعر مرتفع التكلفة لسعر برميل النفط المنتج من آسيا الوسطى إلى 11 دولاراً.
أسعار البترول الآن تقع ما بين 25 إلى 31 دولاراً ثم تنخفض إلى 23 دولاراً ولا ينسى المنتجون تلك السنوات التي باعوا فيها سعر البرميل بأقل من 14 دولاراً للبرميل . بل إن سوق النفط السوداء أشهرت أرقاماً تعد خيالية أمام الواقع عندما تم بيع سعر البرميل بأقل من 9 دولارات للبرميل وما يزيد عن 45 دولاراً.
هذه التطورات قد تجعل السوق النفطية ذات نوازع تعطي المفاجآت فرصاً أكبر من تلك التوقعات الخاضعة للدراسات والافتراضات غير المنتظرة فهي العنوان الرئيسي لمفهوم التجارة البترولية. ذلك أن السلع الاستراتيجية هي المحرك للأوضاع السياسية.
بعد احتلال العراق لابد لدول النفط الأخرى أن تهيئ نفسها لحماية السوق البترولية وذلك بتحصين دفاعاتها بتحالفات تضمن تماسكها السياسي ووحدتها الجغرافية وعندئذ سوف يكون هناك تراجعات قد تغير شكل القوة وتتيح المجال لظهور العديد من القوى التي تعيد العالم إلى توازن أكثر ديمومة يخدم مصلحة المنتجين في الدرجة الأولى.
|