للمعرفة حدود!
لكل إنسان قدر من المعرفة اكتسبه بمرور الأيام والسنين وحسب إمكانياته الذاتية وظروف البيئة المحيطة به، واعتماداً على ذلك ينطلق الفرد وسط مجتمعه معطياً معارفه ومداركه لغيره، وحياة البشر هي عبارة عن تفاعل وتأثر وتأثير بين مختلف الأطراف، ولذلك لابد للإنسان من أن يحتك بغيره، ويناقش أفكاره مع غيره، ويفهم أموراً جديدة ويطلع على أحداث متبدلة، ويدلي بدلوه هنا وهناك بمقادير تختلف من شخص لآخر، ومن بيئة لأخرى، ومن ظرف إلى آخر.
هناك من لا يقتنع بتلك الحقائق والوقائع التي أوردناها سواء بوعي أو بدون وعي ولذلك تجده يسرح على هواه فيدعي المعرفة بكل شيء، ويظهر نفسه للآخرين على أنه موسوعة العصر التي فيها لكل موضوع ذكر، ولها في كل مجال مقال، فهو الخبير الرياضي والعالم الفلكي والحكيم في الطب والرائد في الهندسة والفهيم بأمور الحرب والسياسة والضليع بأحوال المجتمع والفقيه بأمور الشرع، ويستحيل عليه أن يستسلم لسؤال لأن الاستسلام بالنسبة له عجز غير مبرر، بل عليه أن يبدي رأيه، والأكثر من ذلك يحاول أن يفرض على الجميع مايراه هو فرأيه وحده هو الصواب، وكلامه هو وحده الراجح والمطلوب.
فهؤلاء البشر- وبدون مبالغة - لابد أن أياً منا يعرف أمثالهم وأشباههم ولو على درجات متفاوتة، وبعضهم لا يملك حتى أي شهادة أو خبرة مهنية، وقد يكون أمياً بالمعنى الكامل للكلمة، ولكن يبقى خطر المثقف الذي يدعي ما ليس عنده أخطر بكثير من خطر الشخص الأمي، إنه العناد والغرور بالفعل، وهما العدوان اللدودان للإنسان السليم صاحب المنطق، إنهما الصفتان اللتان تلازمان الفاشل تحديداً عاجلاً أو آجلاً.
يكمن سر القضية مع هؤلاء البشر في أنهم يملكون مركب نقص يصعب عليهم التغلب عليه إلا بهذه الادعاءات التي توحي للآخرين بأن هذا الشخص مطلع على الأسرار عليم بخبايا الأمور، وعنده من الأخبار الكثير الكثير!
قد يضطر بعض هؤلاء لاختلاق بعض القصص والأحداث والأخبار، وهنا ينزلق في مطب الكذب والعياذ بالله، وهنا تكون الطامة بالفعل مستنقعاً يصعب الخروج منه.
إن الإنسان الواعي يعرف أنه فوق كل ذي علم عليم، وسبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم، وهو الذي لا تخفى عليه خافية (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)، ورحم الله امرأ عرف قدر نفسه، وقديماً قال بعض السلف: (لا أ دري) نصف العلم.
|