الصيف.. والفراغ.. والشباب
وانتهت الامتحانات.. لتأتي في أعقابها مشكلة الفراغ.. مشكلة ثلاثة أشهر يقضيها (الشباب والطلاب) والفراغ يأتي في فصل الصيف.. فصل الملل ومحاولة البحث عن شيء - أي شيء - لقتل الوقت.. حتى إذا ما انتهى هذا الفصل شعر الشباب والطلاب أن مرحلة بغيضة من مراحل حياتهم قد انتهت.
إن الشباب يقضون ثلاثة أشهر من كل عام بلا فائدة.. لا تستفيد منهم البلاد ولا يستفيدون هم من أنفسهم.. بل إن جزءا كبيرا مما تنفقه وزارة المعارف في رعاية هؤلاء الشباب والطلاب طوال العام الدراسي يضيع أو يكاد يضيع ويضيع معه ما أنفقه الأهل على هؤلاء الشباب والطلاب من مال اكتسبوه بالجهد والضنى.. فلا يكاد ينتهي فصل الفراغ حتى تتبخر أغلب معلوماتهم.
لقد فرغوا من التزاماتهم الدراسية.. وأمامهم إجازة طويلة.. فاتخذ بعضهم من عشرات المقاهي مأوى يتسكعون فيه.. والمقاهي فوق كونها مضيعة للوقت والمال سبب في انعدام الحيوية وتهاوي الطموح.. والبعض الآخر يتسامرون حتى ساعات متأخرة من الليل على الثرثرة الفارغة بعد أن ينتزع منهم مفعول النشاط والحيوية.. وما حيلة وزارة المعارف؟ إن العطلة الصيفية حق من حقوق الشباب والطلاب.. يقضونها كيفما شاؤوا دون معارض. ولكن - لكيفما شاؤوا - حدود أيضا.. وهي المنطق والمعقول.
ولكم تمنيت أن تبقى المدارس مفتوحة طيلة أيام هذه العطلة.. ليلتحق بها طلاب الأحياء المجاورة للمدرسة لشغل أوقات فراغهم وتقوية الضعاف منهم لتكون المدارس (بحق وحقيق) مصدر إشعاع علمي دائم.. ولكن هذه الأمنية كنت أغالب نفسي أن تكون كامنة.. وتظل كامنة - لأن العطلة الصيفية ضرورية للشباب والطلاب للترويح عن أنفسهم وتجديد نشاطهم بعد متاعب سنة دراسية وما واكبها من سهر وجهد وتعب وعرق وعمل متواصل.. ليل نهار. واستغلال أوقات الفراغ فيها في القراءة الحرة أو الرحلات المفيدة أو ممارسة الألعاب الرياضية والهوايات النافعة أو في الخدمات العامة أو في المصالح الحكومية أو في الشركات الأهلية أو البنوك.. ولكنهم بقضائها في اللعب واللهو والتسلية والعبث أثرت في هذه الأمنية وعصفت بأقطار نفسي عصفا ولعل السبب عدم وجود المكتبات الثقافية العامة.. وربما لعدم فتح المصالح الحكومية والشركات الأهلية والبنوك أبواب العمل على مصراعيها ليقتحمها الشباب والطلاب في العطلات الصيفية.
فهل أعدت الجهات المختصة العدة لإقامة الملاعب الرياضية لمختلف الألعاب في كل منطقة من مناطق المملكة على حدة؟ إن الأندية الرياضية المسجلة رسميا لدى إدارة رعاية الشباب بوزارة العمل والشؤون الاجتماعية كالاهلي والاتحاد والوحدة وأحد والأنصار وعكاظ والكفاح بالرغم من أنها ليست قليلة العدد.. وبالرغم مما تنفقه الإدارة عليها.. فإن هذه الأندية لا تكفي إلا لنسبة قليلة جدا من الشباب والطلاب.. ويبقى بعد ذلك اخوانهم وجها لوجه أمام الصيف والفراغ والشركات والبنوك و المصالح الحكومية والأهلية هل أعدت نفسها لفتح أبواب العمل لهؤلاء الشباب والطلاب عندها ستحل مشكلة الشباب والطلاب والفراغ في بلادنا حلا صحيحا وجذريا بلا أدنى ريب.. ولكن ذلك قد يستغرق امدا طويلا لو ألقى عبأه على وزارة.. أو هيئة.. والوزارة ليست كل شيء.. فهناك الشباب والطلاب وهم يصنعون المعجزات الكبيرة عند مشاركتهم الوزارة في حل مشكلاتهم.. كمشكلة الفراغ هذه.. وعليهم أن يساهموا في حل مشكلتهم.. وها هي بين أيديهم.. كما هي بين أيدي رجال الوزارة.
وطريقة مساهمة الشباب والطلاب أن يحضروا أنفسهم على أساس من المبادئ وركيزة في بناء النفوس ويزرعون بقراءة الكتب المشوقة المثقفة روح المطالعة والثقافة في نفوسهم تزداد لغتهم متانة.. وتتسع معلوماتهم وتعمق.. فليس عدلا أن يشكو من المدرسة فالمنهاج الدراسي محدود.. هذه القراءة نحن في حاجة إلى الدعوة لها.. والحث على قراءتها.. فما أكثر ما أهملناها وأشحنا بوجوهنا عنها.. وقد آن لنا أن نعدل عن هذه النظرة إليها بزعم أصحاب عصر السرعة، إن القراءة لم تعد تتفق مع حياتهم التي تضطرم حولهم.. وما تنطوي عليها من مشاغل ومسؤوليات تلتهم في غير رحمة أوقاتهم.. ان الشباب - في بلادي - لا يقرأون اليوم - والشباب في بلادي أيضا يكادون لا يفعلون شيئا غير القراءة - أمس -.. لقد ألف شباب اليوم الحياة هكذا ركود.. وولوغ في التحدث عن الناس.. ونهش حياتهم.. والتحدث في خصوصياتهم..
إن على شبابنا أن يفتشوا في عطلة كهذه على مرابع طموحهم.. وعلى وزارة المعارف أن تعينهم على ذلك بعد الله.. وإلا ستذهب حيوية الشباب والطلاب في مضيعة الوقت والمال والجهد.. وعدم ملئهم الفراغ بكل ما يعود عليهم بالخير والنفع.
***
(المحرر):ننشر هذا إرضاء للكاتب.. رغم قناعتنا بالدور الكبير الذي تضطلع به وزارة المعارف تجاه شبابنا خلال العطلة الصيفية وذلك بإقامتها العديد من المراكز الصيفية بمناطق المملكة وتضم هذه المراكز عددا من النشاطات المفيدة التي تعود على أبنائنا بالخير والمنفعة.
|