لخطوطنا الجوية ميزات خاصة عن بقية شركات النقل الجوي العالمية. فهي تحمل المادة الأولى في دستور الأمة - الشهادتان - ثم قد تكون الوحيدة التي لا تقدم الخمور ولا لحم الخنزير. اضافة لكبر سوقها في مجال نقل الحجاج والعمار بدءا من العام الحالي بعد فتح مجال العمرة على مدار العام ما عدا موسم الحج، ثم انه لا منافس لها في النقل الداخلي في اكثر من 30 مطارا محليا. لكن رغم هذا كله فليس في الافق ما يبين عن تحسن ربحية ولا تطور الخدمة بما يرقى الي التنافس مع غيرها لو وجد منافس ؟ صحيح ان لها محاولات للتطوير والتحسين منع من ظهورها الثقل والتعذر بسبب بعد وتقليدية القيادات العليا في الإدارة العامة عن مفاهيم العصر الناشئ من قلة التحصيل المعرفي - المهني المتخصص والمهارات، وهذا ما حدا بالقادة السياسية إلى تشكيل لجنة لمعالجة معضلة التوظيف. والحل البالغ الضرورة هو تجديد الدماء في الإدارة والتسويق والمبيعات ومهارات التعامل مع الزبائن من خلال الاستشعار إن ما تمارسه هذه المنشأة هو خدمة مدفوعة القيمة يبحث في مقابلها الزبون - العميل عن عائد يرضي - يشبع رغباته ويلبي احتياجاته. ولا أرى أي مجال لهذه المطالب إلا بتجديد جذري يتيح للكوادر الشابة ذات التخصص المهني وهم كثر ولله الحمد من خريجي الجامعات في أرجاء الوطن في تخصصات إدارة نظم المعلومات الإدارية والاكتوارية وهندسة النظم والحاسوب ونظم المعلومات الجغرافية والتسويق والتمويل - الإسناد ؛وضمان رضى المستفيد - الزبون الخi!!ومهنية واحترافية البيع والتسويق.
إن المسار المهني الذي قطعته ناقلنا الوطني الوحيد على مدى عمرها لم يعد متناسبا مع الواقع المعيش ولا لغة المجتمع محليا ولا عالميا لا في المستوى الفكري ولا نمط المستويات المعيشة التي ارتقت من خلال المستويات التعليمية وحركة الانفتاح - التواصل مع العالم تبعا لعصر التداخل - الاتصال الكوني للثقافات والسفر - السياحة من أهمها. وهذه أشياء فوق المستوى الذهني - المعرفي لجل من العاملين الذين هم في الواجهة منذ ثلث قرن من الزمان - ليس هذا تقصيرا ولا إهمالا بل هو طبيعة الحياة ودورة الزمان وتجدد / تطور الأداء المهني والمعرفي .
لقد كان الباعث على هذا الحوار النقدي الرغبة من دافع الغيرة على خطوطنا السعودية - الحرص على ناقلنا الوطني الذي نريد أن يبقى قويا - منافسا في مجتمع النقل الجوي، ويكون صورة عن وطننا أرضا وانسانا، لقد كنت في احدى الدول الخليجية الشقيقة منذ اسابيع في مؤتمر جمعية التاريخ والاثار الخليجية، وعايشت مع اكثر من مائة أستاذ - استاذة من جامعات وطني حالات من انماط التواضع المهني والحراك الاداري. لقد امتلأت مقاعد الطائرة التي قدمت من جدة تحمل اساتذة جامعات من ابها والطائف ومكة المكرمة وجدة ثم من الرياض، وبالطبع فقد تعذر وجود اماكن لكثر من الرياض وغيرها لولا الرحيل عن طريق بعض الخطوط الخليجية عن طريق دبي والبحرين. لقد خسرت السعودية في ظني ما لا يقل عن 50 مقعدا في الدرجة الأولى من الرياض فقط، وللأمانة فالخدمة على الرحلة عادية جدا، رغم محاولة طاقم المضيفين اظهار حسن التعامل؟؟ لقد عدت على خطوط خليجية أخرى، وابهجني دقة وانضبط العاملات في استقبال المسافرين وسرعة الخدمة وجمال صالون الدرجة الأولى المطل على ساحة المطار، ثم الاجمل هو ابقاء ركاب الدرجة الأولى حتى ترحيل بقية الركاب في حافلات جميلة. لقد أخذنا ركاب الدرجة الأولى كل اثنين أو ثلاثة في سيارة بي أم دبليو من أحدث وأفخم طراز حتى بوابة الطائرة، وكأننا في تسجيل أحد الأفلام ومنامات الأحلام ؟؟ وقارنت هذا مع ما يقدم من خطوطنا العزيزة ولنا في مطار الملك عبد العزيز في جدة والملك فهد في الدمام ومطار ابها الاقليمي والطائف والمدينة امثلة حية عن تواضع الخدمات.
وهنا فان الخشية هي في تحول الناس عن الخطوط السعودية ان تطورت أكثر وأكثر الخطوط في بلدان الخليج وصارت منافسا قويا توصل الركاب بسيارات اللكزز والشبح والبي أم دبليو؟؟ مقارنة بعربات مطار جدة؟؟ وقد تداعت في فكري بعض الأفكار التي لا تنفك عمّا سبق تسطيره، ورأيت الإسهام بها من اجل الاصلاح والتحسين:
* بما أن ناقلنا الوطني تنطلق من أرض العرب وقبلة المسلمين فان النظرة إليها في كل مكان تحط فيه مرتبط في ذهنية المسلم بكوامن الحب والانتماء إلى الأماكن المقدسة ومنبع الجذور للخيرية والهداية. لكن واقع الحال لا مدد - ولا سند محسوس - ولا مقاس له. فاللغة العربية لغة الأمة المسلمة - لغة هذا الوطن قد جاءت على قدم المساواة مع اللغة الإنجليزية في الاهتمام والاستعمال وكأننا بلد ثنائي اللغة. ولسنا كذلك !! بل لا أغالي لو قلت إن الواقع يشير إلى تغليب الإنجليزية ؛ فالتذاكر مطبوعة باللغتين إلا أن المسافرين - الرحلة - الناقل - درجة السفر - سمة الحجز - طريقة الدفع - نوع التذكرة - صلاحيتها - وقت الإقلاع كلها لا تكتب إلا بالأحرف اللاتينية سواء أكان باستخدام الحاسب الآلي أو يدويا ولا أعلم المبرر الذي يمنع استخدام اللغة العربية التي هي جزء حيوي من مكونات شخصيتنا وانتمائنا العقدي- الفكري. وفي حدود علمي أن جل شركات النقل الجوي لا تكتب المعلومات المدرجة آليا في التذكرة إلا بلغتها فقط. إنني أدعو السعودية إلى جعل كتابة المعلومات في التذاكر بالعربية فقط في الرحلات الداخلية وعدم استخدام غيرها، بل أطالب بكتابة أسماء غير العرب بالعربية. أما في شأن الرحلات الدولية فلا مشاحة في استخدام الثنائية فلعل هذا يهدي إلى اتساع تعلم العربية ؟؟
* كذلك فإنني، وبناء على السياق السالف، أتمنى لو نهجت السعودية أن يكون الإعلان عن قيام الرحلات والنداء على المسافرين في المطارات باللغة العربية فقط في الرحلات الداخلية، على أن يبقى الحال في الرحلات الدولية باللغتين - أو غيرها من اللغات العالمية في موسم الحج - ولكن شريطة أولا بالعربية ثم غيرها كما هو الحال في مطارات فرنسا - أسبانيا - البرتغال - الصين - الهند - إيران - ألمانيا - وغيرها.
* كذلك؛ فإن الترحيب بالركاب داخل الطائرة بالعربية فقط شيء لا مندوحة منه فربما انه مطلوب أن يتعلم غير العرب في بلادنا على الأقل كلمات التحية : السلام عليكم.. أهلا وسهلا. وكيف الحال ؟
* من الملاحظات ما أشاهده من المضيفين - المضيفات أثناء تقديم الخدمة الجوية حين يسأل الركاب وهم على الأقل يعتمرون العمامة والعقال: كوفي؛ تي، مما يثير والأعصاب ويستفز المشاعر، وهنا آمل أن يمنع كليا البدء بالإنجليزية، فالنطق بكلمتي ( شاي - قهوة ) ليس صعبا ولعل السعودية تكسب الأجر بذلك؟؟
* لا أعلم الإستراتيجية التي قامت بها ناقلنا الوطني وغير المسبوقة - في ظني- وهي عمل حجوزات أكثر من المقاعد المتاحة !! والذي أوقع الكثير من المسافرين وعلى وجه الخصوص رجال الأعمال - الطلبة - الطالبات وعلى الأخص في الجامعات على مستوى الوطن المتباعد الأرجاء في الحرج البالغ وضياع اعمال وفرص ومواعيد. إن هذه ممارسة ابعد ما تكون عن مفاهيم التسويق والتخطيط. والإدراك السليم لمتطلبات المنافسة والعولمة. وبعيد جدا عن أسس ضمان - تحقيق الرضا والولاء للزبون - العميل. لقد جاء هذا الإجراء غير المنطقي - كما يردد القياديون في الناقل الوطني - لمواجهة الحجوزات الوهمية التي تسببت في وجود مقاعد شاغرة تخسر بسببها السعودية ماديا وتعطل أناسا عن السفر؛ وهذا تبرير غير مستساغ!! فليس من العدل ولا المعقول معالجة خطأ بخطأ. ولو درست السعودية العلة في هذا الشأن لوجدت أنها المسببة لها. ففي اعتقادي أنها الناقل الجوي الوحيد في العالم التي لا تثق في المسافرين!! فلا بد من حضور المسافر شخصيا أو من يمثله لتأكيد الحجز وشراء التذاكر مع أي موظف في الخطوط السعودية يستطيع وبالهاتف الطلب من أي شركة طيران عالمية حجز 100 مقعد إلي أي جهة في العالم!! ولا يطلب منه ما تطالب به السعودية، وهكذا تقوم مكاتب السفريات والسياحة في تعاملها مع شركات الطيران العالمية ثقة بثقة إلا مع السعودية فالأمر متعب ومرهق جدا. وبهذا الإجراء خلقت السعودية عدم الثقة في المسافرين وقوبلت بنفس المعيار!!!؟؟
* والأمر في غاية اليسر كل شركات الطيران في العالم لديها في المطارات منصة- ركاب اللحظة الأخيرة (Last
minute passenger) تبيع المقاعد
الشاغرة فورا لمن يرد السفر بأقصى أرقى تعامل إنساني يمنح الإحساس بالرضى والأمان للمسافر لا عدم الثقة !! وليس كما هو التعامل في أماكن ركاب الانتظار التي هي أشبه ما تكون بالحراج سواء في طريقة اداء الموظفين الذين هم من صغار السن والتجربة والتعامل او المتعاملين الذين لا يتقيدون بطابور ولا انتظام ؟؟
* إن معاناة المسافرين على السعودية والمتعاملين معها من وكالات السفر والسياحة أشبه ما يكون بالنياحة في مواسم السفر في إجازات الصيف - العمرة وغيرها واستمرار الحال محال استمرار قبوله مع التوجه السياسي للحكومة الرشيدة وخيارها الاستراتيجي - الاقتصادي في جعل العمرة متاحة على مدار العام وهو خيار استراتيجي لا رجعة فيه كتوجه لخلق مناخات للعمل والاستثمار. إن لم تتحرك السعودية لمواكبته بل ومسابقته فان السوق سوف يرحل إلي حيث الأداء الأفضل المربح المريح للمسافر وشركات السياحة والسفر. والتي سوف تتغلب بأساليب التسويق المشوق على السعودية وتسحب البساط في سوق السياحة العالمية وتغري المسافر السعودي على السفر معها وتكون الخسارة أكبر جسارة على الوطن ولعل المثال القائم هو ما يجري في مطار الملك فهد في الدمام حين بات السفر عن طريق البحرين بديلا ؟؟ ونشاط الشركات الناقلة حتى في تأمين النقل المجاني برا عبر الجسر إلى البحرين.
* العنصر البشري هو ركن الأساس في الأداء المهني؛ وإذا شعر العاملون في ناقلنا الوطني أنهم بائعون للخدمة - لا موظفون - مانحون لها - فان الوضع سيختلف.
* لا بد من ثقة السعودية في الناس، وحملهم على الصدق، حتى لو حصلت خسارة مؤقتة فالسلوك يقابله تغير في السلوك أيضا ؟؟
هذا نداء من العقل والقلب لناقلتنا الوطنية للمبادرة في تبديل ما سبق من المعوقات سعيا للارتقاء والنماء وما ذلك بعزيز ولا مستحيل، واللهم إنا نسألك في سفرنا البر والتقوى ومن العمل ما ترضى.
* باحث ومستشار إعلامي
|