يقول القائلون: إن وزارة التربية والتعليم قررت أن يعطى الطلاب في فسحتهم تمراً بدلا من الحلوى وغيرها من السكريات؛ لأن الطالب إذا كان ولابد أن يلتهم مادة حلوة فلابد أن تكون تمراً!!
واختلف المفسرون لذلك القرار (الصائب) فقال بعضهم وهم جمهور الأكثرية: إن نوع التمر الذي قرر هو تمر السكري؛ وهو تمر تنتجه منطقة القصيم؛ ويمتاز بشدة حلاوته وطلاوته. وقال الآخرون: بل هو سري الوادي وبيشة وما حولهما لأنه بارد على البطن ولا يحدث غازات تضر فصول الطلاب!!
وقال الأقلية ممن لديهم نوع خاص بهم: إن المفروض أن يكون من نوع الخضري؛ وهو تمر ينبت في المناطق الجبلية مثل منطقة سدير؛ لكن اعترض المعترضون على ذلك بأن الخضري ينفخ البطن؛ وأن واحدة منه تسد الشهية؛ لذلك كانوا يقدمونه للضيوف أيام الجوع!!
وقال القائلون الآخرون: إن التمر الذي سيعطى للطلاب هو ما يسمى بالدخيني؛ لأنه طويل وضامر ولذيذ؛ وهذا ما اشتهرت به منطقة الوشم وغيرها من المناطق؛ فهو الأقرب للترشيح.
أما تمر الخلاص الحساوي والقصيمي؛ والمفضل عند الدهماء من الناس فهو غالي الثمن ونوعه يختلف الى أنواع فرعية بعضها أغلى من سعر الاقط والسمن البلدي؛ لذلك يغض النظر عنه لتكلفته الغالية؛ ومثله عجوة المدينة التي وصل سعر الكيلو منها الى 150 ريالاً، ولا يشتريه إلا المتخمون نقوداً!!
بعد أن هدأت زوبعة الجذب والشد والإرخاء؛ جاءت أقلام تكتب بكل أسلوب ساخر أو ماكر عن ذلك القرار؛ فمنهم من خاف أن يغص الطلاب بالنوى؛ ونسي أنه سيقدم لهم جاهزا بدون نوى؛ ونسي أن الخطوط الجوية تقدمه كذلك دون (فصم) أو (عجم) حسب المصطلحات الشعبية لكلمة النوى، وصاح آخرون من أنه سيكثر مادة السكر في دم الأطفال؛ ونسي أن أطفاله يبتلعون الكيلوات يوميا من (الحلاوة) وما ضرهم سكرها؛ وقال آخرون: إن التمر قد سئم منه الأطفال في البيوت؛ وأن أمهاتهم يقلن لهم: كلو التمر، فإنه مسامير الركب؛ فهو غير مغرعندهم؛ فلو أعطوهم جاتوه مبهرجة لابتلعوها.
قلت: لا تربطني بالدكتور محمد الرشيد معرفة شخصية ولا صلة قربى أبداً؛ إلا قربى الدين والوطن؛ وهو غني عن دفاعي عنه لأنه وزير؛ وكلمة وزير لها وزر وإزرار أيضا؛ لكن من خلال التتبع لحياة الرجل العلمية والعملية؛ أجد أنه من أنشط الوزراء (وفي كل خير) وأنه يحاول أن يستقطب كل ما هو وطني؛ وقراره ذلك أبصم عليه بالعشرة أصابع أنه قرار فيه الكثير من العقل والوطنية لعدة أسباب منها:
أ- تشجيع منتجي التمور؛ بحيث يذهب نتاجهم لأبنائهم بدلا من أن يذهب (تبرعاً) وكما قيل (سمننا في دقيقنا).
ب- لنعترف بقول أجدادنا (التمر مسامير الركب) و(كذا اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم) فأنت تجد أبناء الأسر التي تستهلك التمر تكون عظام أجسامهم قوية وصلبة؛ أما الذين يتنعمون ويتعففون عن كل ما هو بلدي فهم يجيئون معلولين في الغالب أو منفوخين دون قوة.
ج- أريد أن يكون لنا شيء من التميز في حياتنا اليومية؛ ولا يعني أن التمر ذاته تميز؛ لكن لماذا نحارب كل ما هو من البيئة دائماً؛ فهذا القرار قد يتبعه قرارات تنبع من الصميم، وتشجع القاعدة الشعبية والوطنية البحتة؛ فلا نقف ضده أبداً.
د- أتمنى أن يجيء يوم وأنا أرى منتجي التمور فرحين بغزارة الإنتاج وحسن التسويق؛ لا أن يقف أحدهم في حمارة القيظ وهو يصيح: البرحي الخلاص السكري.. إلخ؛ فهو سيجد أن الوزارة سوف تستهلك الكميات الكثيرة؛ وهنا المدخل الجميل.
هـ- قرار الوزارة هذا يعني أنها تعمل؛ ومن لا يعمل لا يتعرض للنقد أبداً؛ لأنه لم يعمل شيئا يستحق الذكر؛ فالدكتور الرشيد يعمل ويعمل؛ ومن هنا جاءت الردود الكثيرة تجاه ذلك القرار.
و- لدينا خامات كثيرة في البيئة يمكن استغلالها الاستغلال الأمثل؛ ومن هنا يجب التفكير والتنفيذ؛ فقد ننجح، وقد نخفق في التجربة؛ وهذا القرار تجربة سيكتب لها النجاح؛ هذا إذا ما لم تختلف الوزارة على (المورد)!!
ز- ما هي آلية توريد التمر للوزارة؟ هذا هو لب الموضوع ولب اللوبي التجاري؛ فهنا يكون النجاح أو الإخفاق.
أما المنتقدون فهم يهشون بعصيهم على قرارات النجاح لحاجة قد تكون بعيدة عن الحقيقة؛ وإلا فما يضيرهم أن نأخذ من نتاجنا ونطعم أبناءنا؛ ألستم تطالبون بأن نكتفي بشيء من البيئة؟ ثم ألا يوجد في بيت كل واحد منكم دلة قهوة وصحن تمر؟؟ أو أنتم ينطبق عليكم المثل الشعبي (وش ها الطويرات بداركم واو)!
بقي أن أشير إلى شيخ كبير في السن والمقام والقيمة؛ وقد عملت معه حينما كنت في أوج شبابي؛ وهو الدكتور الخويطر الذي أمر يومها بصنع (ماصات) للطلاب ولنا نحن الموظفين من خشب الأثل؛ فكانت الواحدة منها أكثر جودة ومتانة؛ لكن سرعان ما قلنا إنها ثقيلة؛ وذاك المورد أراد أن يستورد لنا!!.
فاكس: 2372911 |