معالي الوزير.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد:
لو أنني استعرضت أسماء النساء الخالدات والعالمات.. والفقيهات والمحدثات لأكثرت الكلام ولاحترت في تدوين الأسماء.. ولا شك أني سأبدأ بأمي السيدة عائشة رضي الله عنها، ولابد أن أذكر زينب بنت عباس البغدادية والتي أعجب بها شيخ الإسلام ابن تيمية، وسأذكر أيضا شهدة بنت الأبري الكاتب أستاذة ابن الجوزي وابن قدامة والمؤرخ المشهور ابن عساكر.
بل إن ابن عساكر نفسه كان من شيوخه نيف وثمانون امرأة.. كما أنه عليَّ أن أذكر (كريمة) إحدى نساخ البخاري وعالمة زمانها، ولو استعرضت لك يا معالي الوزير أسماء كل النساء لطال بي المقام وطال بي المقال أيضاً.
لكني سألفت النظر إلى واحدة حفظت أحاديث رسول الله وجلست لتدريس النساء في زمانها؛ إنها عمرة بنت عبد الرحمن.. والذي أريد أن الفت النظر إليه.. هو اهتمام الدولة الإسلامية بالمرأة العالمة والفقيهة والمحدثة.. ولم يكن هذا الاهتمام من أي أحد.. بل كان من أعلى سلطة في الدولة وهم الخلفاء أنفسهم ؛فلقد كتب أمير المؤمنين عمر بن العزيز إلى علماء المدينة كتاباً جاء فيه: (انظروا حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاكتبوه فإني خفت دُروس العلم وذهاب العلماء) وكتب إلى عامله بالمدينة أبي بكر بن محمد (اكتب اليّ ما ثبت عندك من الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبحديث عَمْرة).
لقد أوصى أمير المؤمنين عامله بكتابة حديثها، وفي هذا دليل واضح على تكريم الخلفاء والأمراء للنساء منذ صدر الإسلام إلى زماننا الحاضر.. حيث تحظى المرأة بالتكريم والثناء والاشادة في كل مجال تبدع فيه.. وفيه دليل ايضا على أنه يوجد لدى النساء من العلم ما ليس عند الرجال، والدولة الإسلامية قد ولَّت المرأة شأن الفتوى وهي من اعظم وأدق الأمور.. فإذا كانت الفتوى قد تولتها المرأة فلاشك ان مادونها أولى.. ومن باب أولى ان تتولى المرأة التأليف والكتابة والتدريس لبنات جنسها.
معالي الوزير:
كل هذه المقدمة.. الغرض منها هو التساؤل.. التساؤل الذي غرضه الرجاء.. وسأتكلم معك يا معالي الوزير بأمر واقعي.. ومن واقع عشته أنا شخصياً ولم ينقله لي أحد.. وان كان مجيئي متأخراً.. لكنني وقفت على الخاتمة.. والنهاية وهي المرحلة الأهم.
لقد عشت في لجنة تطوير المقررات الدراسية.. وكنت أكتب الحديث.. شاهدت الكتب التي طورت وشاهدت كيف تم إخراجها.. ولم يكن يهمنا طريقة الإخراج بقدر ما كان يهمنا كلنا.. الأهم وهو المحتوى.
وسأخبرك حقيقة بما شاهدت في دروس المقررات الدراسية أمثلة قريبة من الواقع.. أسلوباً راقياً يتناسب مع عمر الطالبة،ربط الدرس بأحداث البلد, تأكيداً على تنظيم الحياة الاجتماعية والأسرة وتأكيداً على حب الوطن والتأكيد على طاعة الله ورسوله وولاة الأمر.
هذا.. عدا الطريقة الجذابة في العرض والتسلسل المنطقي الذي كان يستهلك الكثير من الوقت كي يخرج الدرس بأحسن صورة والأهم.. مرحلة التقويم وصياغة الأسئلة.. والتي اعتنينا بصياغتها أعظم عناية حتى خرجت الكتب بشكل جميل مضموناً وشكلاً.. مقدمة وعرضا وتقويماً كان جهداً كبيراً.. استغرق أربع سنوات ونصفاً من البحث والتدقيق ومحاولة الجمع بين الأصالة والتجديد.. وبين الثبات والتنويع.
وكانت المشاركات في تأليف هذه الكتب نخبة من الباحثات والمشرفات التربويات وقد تمت مراجعتها وعرضها على أستاذات متخصصات في مختلف الكليات كنوع آخر من الاستشارة، ثم عرضت على مشايخ وعلماء.. وخضعت للتدقيق اللغوي أكثر من مرة..
لقد مرت بمراحل تصفية وترتيب كي تظهر بالشكل الجديد والمحبب للنفس لقد تغيرت هذه الكتب عن سابقتها بنسبة 80% وكان التطوير هو السمة البارزة فيها.. وإنني حينما اثني على هذه الكتب الجديدة فهذا لا يعني أبداً انني أقدح وأذم الكتب القديمة.
لا.. يا سيدي.. فالكتب القديمة وكتب البنين خاصة كانت خير مصدر لنا وهي التي نستقي منها.. لقد كانت هي الأرض الصلبة التي نقف عليها وننطلق منها لقد استفدنا من كتب البنين وطورناها وتلافينا السلبيات التي لابد منها في أي عمل بشري فبدأنا من حيث انتهى الرجال.
وهكذا هو شأن التعليم.. التطوير والتجديد والابداع والابتكار مع الحفاظ على الثوابت والأسس التي تقوم عليها سياسة التعليم في بلادنا.
معالي الوزير:
لعله لا يخفى عليك دور المرأة في الإسلام ودورها في الحضارة ودورها في الأسرة والمجتمع ولعله لا يخفى عليك ايضا ان لها حقوقاً.. وان من حقها علمياً.. ان تنال شرف التأليف والفتيا، وهذه حقوق فكرية لم يحرمها الإسلام منها، ومن المتوقع ألا تحرمها الدولة السعودية المسلمة منها.
ولعله لا يخفى عليك ان دولتنا الحبيبة تسعى جاهدة لأن تعطي المرأة حقوقها في هذا البلد.. وما فتح الحوار الوطني بشأنها إلا جزء من هذه الرعاية.. وما دامت المرأة هي محور الحوار الوطني الثالث فإنني ارى ان من اعظم حقوقها الفكرية هو احقيتها في ان تصبح عالمة مؤلفة.. كاتبة.. تضع منهجاً وكتباً ومقررات دراسية لبنات جنسها.. وان من اعظم حقوقها ممارسة هذا الحق واخراج علمها لبنات جيلها بل ولا مانع لو انتفع بعلمها حتى الرجال كما حدث في القرون الإسلامية الأولى.
معالي الوزير:
الكتب التي قامت اللجنة بتأليفها طُبعت وانفق على طباعتها الملايين.
وانفق على تأليفها الساعات والسنون.. والمحزن.. هو تأخر توزيعها على الطالبات.. والسؤال الذي وددت ان أسأله في بداية المقال هو: متى سترى هذه الكتب النور؟ ومتى ستبتهج نفوس المؤلفات برؤية كتبهن مع بناتهن؟
قال الزهري ليونس بن يزيد: (إياك وغلول الكتب.. فقال يونس: وما غلول الكتب؟ قال الزهري: حبسها عن أصحابها).
اما الرجاء الذي رجوته هو ان توافق معالي الوزير على ان تخرج هذه الكتب من ظلام المستودعات إلى نور شمس أول يوم في السنة الدراسية الجديدة لينتفع بها البنات كما أرجو ان نراها فوق أدراج التلميذات والطالبات قريباً.
معالي الوزير:
كتبت هذا المقال للتذكير فقط.. أما الموافقة من معاليكم فهي أمر وارد وغير مستبعد على رجل يحرص على التطوير والتجديد لما فيه صالح الطلبة والطالبات على حد سواء، ومتأكدة بأنك من الرجال الذين يأخذون رأي المرأة في الاعتبار.
معالي الوزي.. ما رأيك في طلبنا هذا؟!
أرجو أن يكون الرد بالموافقة عليه.. وفي السنة القادمة.
|