قرأت في صفحة (المقالات) في عدد 11588 من جريدتنا الغراء مقالاً للدكتور سلمان العودة بعنوان (شكراً أيها الأعداء)، وقد قرأته بتمعن، فألفيته قد عمم النقد بنوعيه الهادف وغيره، حين قال: فأنتم من علمني أستمع الى النقد، والنقد الجارح، لقد وقع أخي فيما لا أحسبه يجهله من هو بهذه المنزلة، فالنقد البنّاء الموضوعي ليس كغيره حتى نصف أصحابه بالأعداء، ونجانب الحق القويم حين نكرر هذا الوصف لعشر مرات في مقال لا يطول كثيراً، والقسمة الضيزى حين يستدرك الموقف فيتحول هؤلاء الأعداء إلى أصدقاء في وصفهم بالصداقة لثلاث مرات فقط، ولا سيما أن هؤلاء الأعداء هم الذين علمونا أشياء كثيرة نفتقر إليها في حياتنا فهم (السبب في انضباط النفس، وعدم انسياقها مع مدح المادحين...).
نعم، أصحاب النقد الجارح لهم غرض بعيد عن نقدهم، فهو ليس للتقويم، وبلا أدنى ريب قد اتخذوا في هذا المضلين عضداً، وقد جرمهم شنآن قوم على ألا يعدلوا، إذ شرعوا في اتخاذ التجهال مطية لهم، وغاب عنهم توخي الحق ما استطاعوا، فحقهم وصفهم بالمخبتين، وبالواقفين حجر عثرة أمام الناجحين والذين يرومونه، فليس بالمجهول أنهم كالكهفيّ الذي بعث بورقه إلى المدينة، بل كالمحموم الذي يهذي، والأديب الذي يتخيل بعيداً عن الواقعية، بل كأنهم الذي عنده علم من الكتاب، ذلك أنهم افتأتوا على الحقيقة، وجاروا على بدهيات العدل الصراح، ونعم، نتألم كثيراً مما يفد إلينا منهم، فلا نتريث كثيراً حتى نعلم مفرط العلم أنهم عرفونا إلى نهجهم، وما تخفي صدورهم أكبر، على أننا نستفيد من وقفاتهم قسرة دون أن يشعروا، فالمرء قليل بذاته كثير بالآخرين، والتأثر والتأثير ظاهرة لا تغفل البتة.
النقد البناء هو للتقويم، وإهداءات وقف عليها الناقد فبعث بها إلى المنقود، بأسلوب هادئ متزن، وقد يشط عن هذا مقدار قطمير، ذلك أن اللغة في هذا الحقل تنزع - بلا قصد - إلى شيء من عدم ضبط النفس، إلا أن في دواخل أهلها حبا وإخاء، فليسوا باحثين عن إدانة، ولا طالبين انتصارا، بل لإبداء النصح، ولطلب الحق المنشود، تاركين وراء آذانهم، وتحت أقدامهم، أوشاب دحر المنقود أو التقليل من نصيبه وانتقاصه.
فمن المعلوم محضاً وصرفاً أن الحق ليس عباءة يُتدثّر بها، أو شجرة يستظل تحتها بل الواجب تبيينه، والوقوف على الخطأ لإصلاحه، ونظلم الحق حين نتجاهل أمر تقويمه، فلسنا بمندوحة عن المضي في تعقب الأخطاء، ونحاول جاهدين أن نصوب ما نراه تزاورا عن الحق ذات اليمين وذات الشمال، أشكر الدكتور الكريم على طرحه الشائق.
أحمد بن عبدالعزيز المهوس
|