عجيب أمر الحوار السعودي الأخير، وعجيب أمر من شارك فيه، وأعجب من ذلك كله توصياته التي تحتمل التخريج الشخصي لكل مجتهد. ففي حين كانت القضية المركزية المطروحة على جدول أعمال المؤتمر واضحة وصريحة لا لبس فيها وهي حقوق المرأة وواجباتها، كان الحوار ذاته ينأى عن الأساس الذي يجب الخوض فيه، إلى كثير من الأمور الهامشية التي لا تؤثر من قريب أو بعيد في مصير تلك الحقوق، فوضع المرأة عباءتها على كتفيها أو اختيارها نوعية القماش المصنوعة منه، وهل هي خفيفة أو سميكة، بل حتى أمر قيادة المرأة للسيارة والمطالبة في التوسع في الإنفاق في التعليم، ومطالبة المرأة بالتقاعد المبكر، وغيرها هي كلها قضايا ثانوية لا تقرر حتماً ولا واجباً، وكأن من أجهد نفسه من الجنسين في الخوض في تلك القضايا إنما كان يتعمد صرف الأذهان عن الأسس، ولوي أعناق الحقائق، كي تكون النتائج كما هي عادة: (ليس في الإمكان أبدع مما كان) وتبقى العموميات والشكليات والعبارات الإنشائية هي مربط الفرس التي ستظل مربوطة طالما لم نفسح أمامها الطريق لتطير إلى الميدان الحقيقي للحياة بكل ما تستحقه من جهود مشتركة قائمة على التفاهم الكامل بين الرجل والمرأة، جهد كل منهما يؤازر الآخر ويدعمه، وينوب عنه في اللحظات التي تمليها الظروف والحاجة.
لن تشكل كلمات الدكتور العريفي الكثير من الحسم في قضية حقوق المرأة، مهما كانت كلماته تلك جارحة، فهو في نهاية المطاف قدم اعتذاراً إن كان سبب للمرأة جرحاً، ولن يشكل انهيار المرأة التي جاهدت للرد عليه نهاية الأمر بالنسبة للمطالبة بحقوق المرأة. تلك الحقوق لن تتحقق لا بالتهم والتشدد ولا بالبكاء والاستجداء. هي حقوق مشروعة كفلتها شريعتنا لنا، وأقرتها حكومتنا، تلك الحقوق تكون إن كان لابد من الحوار فيها بإقرار الرجل بتلك الحقوق أصلاً، وقدرة المرأة على عرض قضية حقوقها بجدارة ومنطقية مدعومة بالأدلة الشرعية والعلمية، ومتصلة بالموروث الثقافي الإسلامي العربي السعودي، الذي كفل تلك الحقوق على مر العصور. وإلا فما معنى أن نساء في هِجَرْ المملكة المتناثرة يقدن (التراكتورات والونيتات والوايتات) ولا يزلن كذلك مقدمات بذلك خدمة جليلة لأسرهن ومجتمعهن؟!
لا يعني هذا الكلام إنني أطالب بأن تقود المرأة السيارة، الأهم من ذلك كله أن الفجوة في الحوار بين الرجل والمرأة لا تزال واسعة، وربما تكون مُتعمدة، وأرجو أن أكون مخطئة في ذلك.
لم تكن المرأة في الحوار الأخير مقنعة ولم يكن صوتها جلياً وواضحاً بما نريد! فهل أن حقوق المرأة على درجة من التعقيد بحيث لا تستطيع المرأة ذاتها استيعابها والتعبير عنها؟! أم أن تلك الحقوق كانت في حاجة إلى امرأة لا تهادن على حساب حقوقها. ولها في الرجل قبالتها أسوة جيدة حيث الاستعداد والصوت العالي الجريء الذي يعرف كيف يتناول الأمور وفي جعبته من الحجج والأدلة ما ينتصر به، وربط ذلك كله بالواقع!من التوصيات الملفتة للنظر أهلية المرأة في التصرف واستثمار أموالها في مختلف المجالات، فأين تكون مثل تلك الأهلية إذا كانت صاحبتها لا تستطيع بنفسها أن تراجع دائرة واحدة لاستصدار ومتابعة ورقة واحدة في قضية واحدة. حتى بعد انتهاء مؤتمر الحوار الثالث؟!.. وتاليتها؟!!.
فاكس: 2051900 |