يظل الأمن حلم كل الشعوب والأمم، من أجله تسن التشريعات والقوانين والأنظمة، وتستحدث الأجهزة المسؤولة عن تحقيق هذه الغاية العزيزة، التي لا تهنأ الحياة بدونها، ولا يطيب مطعم أو مشرب أو نجاح إذا غابت، أو تعرضت لما يعكر صفوها، أو يهدد دعائمها، فالخوف وهو نقيض الأمن، يعطل قدرة الإنسان على العمل والإنتاج، ويعرقل مسيرة التنمية المجتمعية في أي أمة أو بلد متى ابتليت به، وبدون الأمن لا معنى للاجتهاد، ولا طعم للتفوق، ولا راحة في النوم.
والشريعة الإسلامية، التي جاءت رحمة للعالمين، في مقاصدها الشاملة ترسيخ لقواعد وأركان الأمن، وفي نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية وعيد شديد لكل من يخل به بفعل أو قول ففي الإخلال به مضادة لمقاصد الشريعة وتعطيل لأحكامها، وتهديد للمسلمين، وزعزعة لاستقرار الأمة.
وبلاد الحرمين الشريفين، مهبط الوحي، ومهد الرسالة الخاتمة، من خلال تطبيق الشريعة في جميع أمورها نعمت بالأمن، وحققت في ظلاله طفرات تنموية تحسدها عليها جميع دول العالم، وانخفضت بها معدلات الجرائم إلى أقل مستوى مقارنة بأكثر الدول تقدماً وتطورا من الناحية التقنية والأمنية، وتلك الدول التي تعمل بها عشرات الأجهزة الأمنية التي تنفق ملايين الدولارات سنويا لتحقيق ولو جزء بسيط من مثل ما تنعم به بلادنا الطيبة الغالية من أمن وأمان.
وفي الآونة الأخيرة، وفي ظل ما اقترفته أيدي الفئة الضالة ممن انحرفوا عن منهج الإسلام، وصراطه المستقيم من أعمال إرهابية وتخريبية مشينة، فمن الطبيعي أن يتضاعف إحساسنا جميعاً بنعمة الأمن التي ننعم بها، وتستوجب منا جميعاً أن نتوجه بالشكر إلى الله جل وعلا، ثم إلى ولاة الأمر - حفظهم الله - الذين حكموا شرعه في جميع أمور الحياة، فأمن الناس، مواطنين ومقيمين على أرواحهم، وأعراضهم، وأموالهم، وممتلكاتهم.
وشكر نعمة الأمن - في مثل هذه الظروف -، وفي مواجهة هذه الفئة الضالة التي أزهقت أرواح الأبرياء، وأهدرت الدماء المعصومة، وعاثت في الأرض فساداً وإفساداً، يتجاوز حدود الكلام إلى ضرورة الفعل، بعيداً عن النظرة القاصرة التي تحصر مسؤولية الأمن في رجال الشرطة فقط، أو الأجهزة الأمنية، فبالشكر تدوم النعم وتربو.
وشكر نعمة الأمن التي ننعم بها جميعاً مسؤوليتنا جميعاً، وليست مسؤولية رجال الأمن فقط، ففي ظلها أمنا جميعا، واستفدنا جميعاً من مخرجات الخطط التنموية في بلادنا طوال العقود الماضية، وإذا كان رجال الأمن يتحملون العبء الأكبر في صيانة هذه النعمة، ويسهرون على حمايتها وشكرها، والناس نيام، فإن الظروف الحالية تتطلب منا جميعاً أن نكون رجال أمن، كل في حدود طاقته، فالمفكر والمثقف مسؤول عن حماية الأمن الفكري من أي انحراف يصب في خانة التطرف والغلو، والعلماء مسؤولون عن تصحيح المفاهيم الخاطئة المخالفة لمبادئ وأصول العقيدة الناتجة عن إساءة الفهم أو التفسير أو التأويل المبني على الجهل أو الهوى، والخطباء والدعاة مطالبون بالتعريف بخطورة اختلال الأمن، وما يترتب على ذلك من آثار تضر بمصالح الأمة، وتسيء إلى الإسلام، والمعلمون والإعلاميون وكل فئات المجتمع كل في حدود قدرته واختصاصه.
والفرد المسلم أو غير المسلم من المواطنين والمقيمين في بلادنا مسؤول عن حماية نعمة الأمن وشكرها، وأضعف الإيمان في ذلك رفض أي أعمال تخريبية أو إرهابية تهدد بإهدار هذه النعمة، والتعاون مع رجال الأمن ضد كل من تسول له نفسه الإقدام على ذلك، فهل وعي كل منا كيف يشكر هذه النعمة الغالية ويحافظ عليها؟ نأمل ذلك.. فبالشكر تدوم النعم.
|