إن العبادة كما عرفها أهل العلم: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الباطنة والظاهرة.
وذلك أن العبادة لله هي الغاية المحبوبة له والمرضية له, التي خلق الخلق لها كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وبها أرسل جميع الرسل, كما قال نبي الله نوح عليه السلام لقومه {اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } وكذلك قال أنبياء الله هود وصالح وشعيب وغيرهم من الأنبياء عليهم السلام لقومهم, وقال تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ}.
وجعل ذلك لازماً لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم إلى الموت كما قال:{ وبذلك وصف ملائكته وأنبياءه فقال تعالى: {وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ}. وذم المستكبرين عنها بقوله: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}.
وقال في وصف الملائكة بذلك {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ} وقال عن المسيح عليه السلام الذي ادعيت فيه الإلهية والنبوة: {إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }.
وقد نعت الله النبي صلى الله عليه وسلم بالعبودية في أكمل أحواله فقال في الإسراء: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً} وقال في الإيحاء: {فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى}، وقال في الدعوة: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً}، وقال في التحدي: {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ} فالدين كله داخل في العبادة.
وقد ثبت في الصحيح أن جبريل عليه السلام لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم في صورة أعرابي وسأله عن الإسلام قال: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً) . قال فما الإيمان؟ قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت وتؤمن بالقدر خيره وشره)، قال فما الإحسان؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، ثم قال في آخر الحديث: (هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم) فجعل هذا كله من الدين.
والدين يتضمن معنى الخضوع والذل يقال: ديّنته فدان ذلّلته فذلّ, ويقال: يدين الله, أي: يعبد الله ويطيعه ويخضع له, فدين الله عبادته وطاعته والخضوع له, والعبادة أصل معناها الذل أيضاً يقال: طريق معبّد إذا كان مذللاً قد وطئته الأقدام, لكن العبادة المأمور بها تتضمن معنى الذل ومعنى الحب فهي تتضمن غاية الذل لله بغاية المحبة له. اللهم أحينا على الإسلام وأمتنا على الإيمان, وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
( * ) الرياض |